السبت، 8 مارس 2014

الجوانب التربوية والدعـوية من قصة أصحاب الكهف



                 
 الجوانب التربوية والدعـوية من قصة أصحاب الكهف(2)
مدخل :
قصة أصحاب الكهف قصة لا تخفي على أحد ، قصّها المولى بوضوحٍ وجلاء كُلّما تلاها المسلم ازداد منها عجباً ، وأخذ منها عبراً ، وهكذا قصص القرآن لا تنقضي عجائبها ، ولا تنتهي عبرها ....
قال تعالى : ]  لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [[1]
وفي هذا الفصل سنتناول ثلاث مباحث  على النحو التالي :
المبحث الاول : الفتية في رحاب الإيمان وكنف الرحمن .
المبحث الثاني :سلاح الدعاة اللجوء الى الله تعالى .
المبحث الثالث : الشباب مرحلة القوة .


المبحـث الاول
الفتيـة في رحـاب الايمـان وكنـف الرحمـن
  تمهيـد :
 إنها قصة عجيبة حافلة بالمواقف المضيئة والمشاهد المؤثرة قصة أولئك الفتية الذين خرجوا فارين بدينهم معتصمين بربهم فآواهم المبيت  إلى كهف أجمعوا أمرهم على البقاء فيه حتى طلوع النهار ، ولم يخطر ببالهم أن نومهم سيطول ويتجاوز ثلاثة قرون ، فمكثوا فيه حتى أشرق عليهم فجر جديد ، وأطلت عليهم شمس الحرية وأنوار العدالة ، بعد أن تعاقبت القرون وتداولت العهود وزال عهد الطغاة
 لقد طال تجوالي بين كتب التفسير أقرأ كل ما تيسر لي قراءته عن أولئك الفتية وأتأمل في قصتهم  العجيبة وأجتهد في اقتباس العبر والعظات لكني أيقنت بعد طول تحليق في أجوائها و غوص في أعماقها إنني أمام  آفاق رحيبة وبحار لا ساحل لها وأنهار مطّردة لا تنضب .
جاءت قصة أصحاب الكهف تسلية وتسرية وتثبيتا لقلب رسولنا e
كان نزولها في العهد المكي حيث لقى الرسول e ومن آمن معه كثيرا من المحن والابتلاءات على طريق الدعوة الذي حُفًّ بالعقبات والمكاره .
نزلت هذه القصة وما زال المسلمون الأوائل يلقون أشد صنوف البلاء  ويتذوقون من العذاب ألوانا وأنكالا ،  ومن السخرية والاستهزاء أشكالا ، ومن الصدود والإعراض  نصيبا على يد الفئة الظالمة الغاشمة  .
نزلت هذه القصة على القلوب المستضعفة بردا وسلاما تروي شغافها وتقوي دعائمها .
نزلت لتكون حجة ساطعة تشهد بصدق هذا النبي الأمين صلى الله عليه وسلم .
جاءت برسالة موجهة إلى أهل الكتاب أن هذا القرآن فيه فصل الخطاب وخير الجواب لكل ما  يطرحونه من تساؤلات .
فالهداية من الله ، يختص بها من يشاء ، وأمامنا قصة أهل الكهف أولئك الفتيان الذين ملأ الله قلوبهم بالإيمان وهداهم إليه بالفطرة والبرهان وزادهم هدى على هدى لما توجهوا إلى ربهم بصدق سائلين إياه أن يهيئ لهم طريق الهدى والرشاد ويوجههم إلى التوفيق والسداد .
 قال تعالى :  ] فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا * إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا * أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [[2]
وقال تعالى :  ] هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا  [ [3]



مطلع القصة وبراعة الإستهلال :
يبدأ السياق بهذا الأسلوب الشيق أسلوبِ الاستفهام التعجبي كمافي قوله تعالى : ] أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا[[4]
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين _رحمه الله_ " أم " هنا منقطعة ، فهي بمعنى (بل) و حسبت : بمعنى ظننت ، هنا أتى ب "أم" المنقطعة التي تتضمن الاستفهام من أجل شدة النفس الى الاستماع الى القصة لأنها حقيقة عجب " [5]
فنحن أمام قصة عجيبة ، وإن كان  هناك ما هو أعجب منها ، فخلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وآيات الأنفس والآفاق وعالم النبات وعالم البحار فضلا عن عالم الغيب وما فيه من حكم وأسرار ودقائق وأخبار وغير ذلك من عجائب صنع الواحد القهار ، كلها آيات عجيبة تستوجب التأمَّل فيها والاعتبار بها .
 وكم يغفل كثير من الناس عن النعم الظاهرة والآيات الباهرة لكونها مألوفةً لهم ، بل وقد يغفلون عن شكر النعم الظاهرة ، كنعمة السماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار !  قال الرازي " رحمه الله) في تفسيره : " اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول e على سبيل الإمتحان فقال تعالى : " أم حسبت أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط ، فلا تحسبنَّ ذلك فإن آياتنا كلها عجب ، فإنه من كان قادرا على خلق السموات والأرض وتزيين الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان ثم بعد ذلك يجعلها صعيدا جرزا خالية عن الكل كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم ، هذا هو الوجه في تقرير النظم والله أعلم  "[6]
لقد تجلّت قدرة الله سبحانه في قصة أصحاب الكهف في صورة باهية مباركة , وبإعجاز رباني مبين , وجسدت هذه القصة الكريمة أداء متميزاً للشباب المؤمن بربه , وسطرت في ثناياها إبداعاً شبابياً مؤثراً تجلّت فيه تضحية الفتية المؤمنة وثباتهم وإبداعهم في التضحية في سبيل العقيدة , وتحدي موانع الإيمان السياسية والاجتماعية والنفسية .
ويشكل هذا الاداء الشبابي المتميز مشعل هداية لكل شاب مؤمن يسعى لنصرة عقيدته ودينه بصدق اللجوء الى الله العليّ القدير , وبعد ذلك بحسن استثمار طاقات النفس والعقل والجوارح في تسخيرها لأداء دعوي متميز يمكث في الارض ويعزز معاني الثبات والتجرد وارادة الانجاز المؤثر في حدود الامكانات والمتاحات البشرية .

في ثنايا القصة ودلالتها يستفيد الداعية الى الله تعالى :
 ما يلي :
الايمان الراسخ بالله سبحانه , وتثبيت العقيدة والتضحية في سبيلها , رغم الأذى والرصد والتضييق.
ذكر التوحيد بقوة كمطلب أساسي لتحقيق معنى العبودية لله رب العالمين .
كان أصحاب الكهف فتية مؤمنين ولم يكونوا كهؤلاء من الناحية العمرية , وما أجمل أن يكون ذلك في سبيل نصرة الحق ودحر الباطل وتسطير صفحات العزة والمنعة .
عند ما أوى الفتية إلى الكهف , اتسع على ضيقته لنشر رحمة الله لهم , بعد مغادرة الديار الواسعة في جغرافيتها وحدودها المكانية , لكنها كانت ضيقة في بعد أهلها عن منهج الله المستقيم .
قال تعالى : ] وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا [ [7]
من يلجأ الى الله يعينه ويقويه حتى لو بدا للناس أنه في وضع صعب , وفي مأوى بعيد عن الراحة الظاهرة , فأكثر الناس لا يعلمون حقائق الحياة وأسرارها .
كانت مواقف الفتية الربانيين قدوة حسنة ونموذجاً يحتذى به من قبل السائرين الى الله وخاصة  الشباب .
 تجلت قدرة الله تعالى  ورحمته في هذه القصة للسائرين اليه والثابتين على نهجة القويم , وبالمقابل تجلت قدرة الله تعالى وجبروته في قصم الظالمين ودحر باطلهم .
هنا ينبغي أن نُلفت الانتباه إلى عنصر فنّي آخر يمكننا أن نستشفّه من وراء التنكير لملامح الأبطال.
فالأبطال و نعني بهم فتية الكهف يجسّدون مفهوماً ، هو نبذ زينة الحياة ، و أوضح تجسيد لهذا النبذ ، هو تنكير ملامحهم و مواقعهم ، و رسمها ـ كالكهف تماماً ـ بعيدة عن تسليط الأضواء الاجتماعية عليها ، و هي أضواء تتمثل عادة في التقدير الاجتماعي الذي يتطلّع إليه كلُّ فرد عادة.
إنّ النص بكلمة اُخرى جعل أبطال الكهف مُبهمين ، لا أسماء تحدّد موقعَهم الشخصي ، و لا ملامح تحدّد موقعَهم الاجتماعي ، و لا عَدَد الكميّة الاجتماعية لهم ، بل رَسَمَهُم أبطالا لا يعرفهم أحدٌ من الآدميين ، أبطالا أسقطوا من حسابهم الدافع إلى التقدير الذاتي ، و التقدير الاجتماعي ، و الانتماء الاجتماعي .
و مثل هذا الرسم يتوافق فنّياً مع مفهوم النبذ لزينة الحياة الدنيا بداهة ، أنّ الاسم و العدد و الموقع الاجتماعي ، هو جزءٌ من الزينة ، جزءٌ من حب الذات ، جزءٌ من البحث عن تقدير من الآخرين ، في حين أنّ من ينتبذ الحياة و زينتها ، ينبغي أن ينتبذ كلّ أشكال التأكيد على الذات ...
و هكذا كان أبطالُ الكهف أبطالا مُبهَمين ، لا يعرفهم أحد و لا يريدون أن يعرفَهم أحد ، لأنـّهم أسقطوا الحياة من حسابهم.
إذن جاء رسمُهم فنّياً مُبهَمين ، متوافقاً و مفهوم النبذ لزينة الحياة.
لقد صاغت قصةُ فتية الكهف أبطالَ الكهف مجموعةً من الفتية يتحاورون فيما بينهم عبْر المشكلات التي يواجهونها في مناخ الكفر.
فالنص لم يسرد لنا أفكارهم من الخارج ، بل قدّمهم لنا على حقائقهم ، يكشفون بأنفسهم عن أفكارهم.
و بكلمة اُخرى : أنّ النص القرآني الكريم وظّف عنصر الحوار بدلا من السردفي التعريف بشخصيات أهل الكهف .

مستلزمات تربوية تسبق العمل :
أولا : رسوخ الايمان بالله تعالى :
وهذه من أولى المستلزمات التي يطلب من المربي زرعها تجاه المدعو وتمكينها في قلوب الاتباع ، الايمان بربويته  وألوهيته  وأسمائه صفاته ، الايمان بصلاحيته الاسلام وقدرته على كل زمان ومكان ، لأنه دين رباني ، ونظام لم تتدخل غير إرادة الله في صياغته ، الايمان المطلق بأن هذا الكون يسير على سنن الله والعمل بمقتضى هذه السنن والسير على محارها  لقوله تعالى : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [ [8]
" الايمان الذي يزكو بأعلى  مراتب الاخلاص والتوكل وحب الله ورسوله وتقديم طاعتهما ، وعندئذ ينطلق المرء مندفعا بذاته متحركا نحو دين الله تعالى ، فإن القلب متى تذوق حلاوة هذا الايمان واطمأن إليه وثبت عليه ، لا بد وأن يندفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب ، في واقع الحياة ، في دنيا الناس ، يريد ان يوحد بين ما ستشعره في باطنه من حقيقة الايمان وما يحيط به في ظاهره من مجريات الامور وواقع الحياة . ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الايمانية التي في حسه والصورة الواقعية من حوله ، لأن هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة ، ومن هنا كان الانطلاق الى الجهاد في سبيل الله تعالى بالمال والنفس " [9]
وفي ثنايا القصة يخبرنا المولى سبحانه وتعالى عن فتية الكهف وإنكارهم  على قومهم إذ يقول المولى سبحانه وتعالى : (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)[10]
قال صاحب الظلال : " ثم يلتفتون الى ما عليه قومهم فيستنكرونه ، ويستنكرون المنهج الذي يسلكونه في تكوين العقيدة : " هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا "؟ فهذا هو طريق الاعتقاد : أن يكون للإنسان دليل قوي يستند إليه ، وبرهان له سلطان على النفوس والعقول والا فهو  الكذب الشنيع ، لأنه الكذب على الله ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " .
والى هنا يبدو موقف الفتية واضحا صريحا حاسما ، لا تردد  فيه  ولا تلعثم .. إنهم فتية ، أشداء في أجسامهم ، أشداء في إيمانهم . أشداء في إستنكاره ما عليه قومهم " [11]
وهكذا يجب أن يكون الداعية الى الله تعالى لا تردد ولا تلعثم  بل إصرار وعزيمة وإيمان راسخ لا تزعزعه شائبة .



المبحث الثاني :سلاح الدعاة اللجوء الى الله تعالى .
مدخل :
إذا سدت المنافذ من حولك كلها لم يبقي لك إلا منفذ واحد وإذا تلاشت الأسباب من أمامك كلها لم يبقي لك إلا سبب واحد وإذا أغلقت الأبواب في وجهك كلها لم يبقي لك إلا باب واحد وهو باب الله عز وجل فالله سبحانه هو مسبب كل الأسباب وبيده مفاتح كل الأبواب "قال تعالى : ] وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر ِ[ [12]
 لذالك لا سبيل لمواجهه الشدائد إلا بالتوكل علي الله ولا سبيل لمجابهة النوازل إلا باللجوء إلي الله ولا سبيل لمقارعة الخطوب إلا بالركون إلي الله ولا سبيل لكشف الضر  إلا بالتوجه  إلي الله عز وجل والاستعانة به  سبحانه قال تعالى : ] أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [   [13]
 وقال تعالى : ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ْ[[14]
قال صلى الله عليه وسلمالدعاء هو العبادة " [15]
 اتهزا بالدعــاء وتزدريه        وما تدري بما صنع الدعـــاء
سهام الليل لا تخطى ولكن       لها أمد وللأمد انقضــاء .[16]



وفي هذا المبحث أتناول الدعاء وأهميتة ونماذج مشرقة من القرءان والسنة وسير سلف الامة ، وبادئ ذي بدء أقول : أن العبد المؤمن إن يظل مرتفع الهامة عالي القامة لا تطويه شده ولا تاخذة نازله ، لا يبث شكواه لإنسان ولا يبدى صفحته لمخلوق وإنما يتوجه إلى ربه ويكشف نفسه لخالقه ورازقه فهو وحده الذي بيده كشف الضر  قال تعالى : ] وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [[17]
ما أجمل أن تطرق بابه وتمضي إلي رحابه وما أجمل أن تلجأ إليه وتتوكل عليه ..
 في وقت النوازل و المحن والشدائد لا تتوجه إلا له ولا تستعن إلا به سبحانه ، انه طريق الأنبياء من لدن  آدم حتى  نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والذين سلكوا طريقهم من الدعاة والمصلحين ، هذه ألامه المترامية الأطراف والضاربة في أعماق الزمن  .
وإنما اللجوء الى الله والاستعانة به والدعاء من اجل اقامه الحق في الأرض ، ما كانت ألامة الإسلاميه بطولها وعرضها وما كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقودها ويسوسها،ويرفع من شانها،ويعلى من مكانتها  الإنتيجه  هذا الدعاء وما كان هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وآمنا إلا عن طريق سواعد هذين النبيين الكريمين خليل الرحمن إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام لما سأل الله تعالى وتضرعا إليه بالدعاء !
 قد يسال سائل لماذا انتشر الفساد وعم الاستبداد وازداد ظلم العباد ؟ لأنهم لم يأخذوا بكل الأسباب ولم يطرقوا كل الأبواب فإن فعلو ذلك كان الكون معهم بشجره وطيره بشمسه وقمره ببحره وبره بسمائه وأرضه ،كيف؟عندما ظُلم نوح عليه السلام وسخر به وصد عن السبيل ،لجأ إلى ربه بعد أن اخذ بكل الأسباب وطرق كل الأبوا! قال تعالى  ) : فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر) [18]
ثلاث كلمات توجه بها لرب السموات  "انى " مغلوب" فانتصر " هل كان الكون معه ؟، هل رفعت دعوته إلى عليين؟ هل استجاب الله له؟    نعم!!" قال تعالى :  ] فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [19] [
ثلاث إجابات لثلاث كلمات ، المصلحون الذين كانوا مع نوح عليه السلام حماهم الله من الغرق لان الذي صنع هذه  المعجزات قادر على أن يحفظهم أما المتجرين الظالمين ، المستهزئين بالدين فكان الماء من فوقهم ومن تحتهم حتى لا يستطيعوا الهرب وهو مصير كل الذين على شاكلتهم إلى يوم الدين ، حتى الذي كان من صلب نوح عليه السلام  تلاشى مع  الغرقى لأنه مشرك   وظالم وعمل غير صالح ،أما أنت أيها المؤمن يجب أن تتجه إلى ربك وتلجأ إليه فى شدتك ورخائك ،في يسرك وعسرك ، فى صحتك و مرضك ،في ضعفك و قوتك ،في غناك وفقرك ،فى حركاتك و سكناتك ،في حلك وفى ترحالك ، حتى ولو أصابك شيء من اللمم ، ادم عليه السلام عندما اخطأ فى جنب الله عاد الى ربه واستغفر من ذنبه ولجا إليه بكلمات تلقاها منه فتاب عليه "فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم" [20]
ونبي الله يونس عليه السلام عندما ضاق ذرعا بقومه ورحل عنهم الى غيرهم وظن أن الله لن يضيق عليه ابتلاه ربه بظلمات ثلاث الليل ،البحر ،بطن الحوت ،لكنه عليه السلام عرف خطئه ولجأ الى ربه في شدته وفى ظلماته فكانت الاجابه السريعة قال تعالى : ] وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ[[21]  
هذا الأمر ليس خاص بني الله يونس وإنما بكل المؤمنين عبر الأجيال والأزمان وعلى مر الدهور وكر العصور ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"مادعى بها عبد الا اذهب الله همه وفرج كربه دعوه يونس".
وعندما ابتلى أيوب عليه السلام بالمرض لم يطلب من ربه ولم يقترح عليه وإنما لجأ إليه فى أدب جم وتو ضع ضخم قائلا : ] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [22][  افكانت  الإجابه وكان العوض عن هذا المرض كما ذكر فى الايه ] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[[23]   
وفى بدر عندما تعالت أصوات المتجبرين والمتكبرين الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس يدقون الطبول و ينحرون الجذور ويشربون الخمور ويسمعون القيان (المغنيات) كان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ الى ربه ويتضرع إليه، يلوذ به ويدعوه"..  اللهم أنهم جياع فأطعمهم حفاه فاحملهم عراه فاكسهم اللهم ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد ذلك فى الأرض أبدا  [24]"
حتى وقع ردائه فأعاده أبو بكر رضي الله عنه لهم قائلا"كفاك مناشده ربك ان الله سينجز لك ما وعدك..وما ان انتهى النبي من الدعاء حتى ردت السماء واستجاب رب السماء"كما قال تعالى : ]  إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ  [[25]
جاء النصر فكان حليف لمسلمين وكان فرقانا بين الحق والباطل قال تعالى :  ]وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ [26]
هذه الامثلة والإستشهادات السابقة توضح لنا أهمية الدعاء واللجوء الى الله تعالى والداعية الى الله بحاجة الى الوقوف مع القران الكريم  المليئة بمثل هذه الامثلة الرائعة الجميلة حتى يتسنى له سوك هذا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم  من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وهم القدوة والأسوة .
والمتأمل في سورة الكهف وخاصة قصة الفتية  الذين ءامنو بربهم  نجد فيها أنهم تضرعوا الى الله تعالى بقولهم  كما حكى ذلك المولى سبحانه عنهم ] إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [[27]

قال الحافظ إبن كثير – رحمه الله - "هب لنا من عندك رحمة ترحمنا وتسترنا عن قومنا ، (وهيئ لنا من أمرنا رشدا )أي وقدر لنا من أمرنا هذا رشدا ، أي : اجعل عاقبتنا رشدا ، كما جاء في الحديث : " وما قضيت لنا من قضاء فاجعل  عاقبته رشدا " [28]
وفي المسند من حديث بسر بن أرطأة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو : " اللهم ، أحسن عاقبتنا في الامور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الاخرة[29] "  [30] انتهى  كلامه -رحمه الله-
الداعية حوجته الى لطف الله تعالى  ورحمته ومغفرته أكثر من عوجته الى الطعام والشراب
وأن اللجوء إلى الله سمة المؤمن ، فهو سبحانه المعين والناصر وما النصر الا من عند الله ، وفتية الكهف   لما لجؤوا إليه داعين ، آواهم وحفظهم وأغدق عليهم مما طلبوا من الرحمة والهدى والرشاد .
وأن من أوى إلى الله أواه الله ولطف به وجعله سبباً لهداية الضالين ، فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة إبقاءً على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم، وجعل هذه القومه من آياته التي يُستدل بها على كمال قدرة الله و تنوع إحسانه، وليعلم العباد أن وعد الله حق .
" هذا هو المنهج الذي يأخذ به الاسلام قلب المسلم . فلا يشعر بالوحدة  والوحشة وهو يفكر ويدبر.
ولايحس بالغرور  والتبطر  وهو يفلح وينجح .  ولا يستشعر القنوط واليأس وهو يفشل ويخفق . بل يبقى في كل أحواله متصلا بالله ، قويا بالاعتماد عليه ، شاكرا لتوفيقه إياه ، مسلما بقضائه وقدره . غير متبطر ولاقنوط "[31].   

المبحث الثالث : الشباب مرحلة القوة
الشباب متعَلَّق آمال الأمة ، وأبو المعجزات ، هو مرحلةُ العطاء المثمر ، وروضُ الإبداع المزهر ، وبستانُ النضارة والفتوة ، واللياقة والقوّة.
والشباب هو الذي يتمناه الصغيرُ ، ويتحسّر على فراقه الكبيرُ
الشبابُ يذكّرنا بفتيةٍ أمنوا بربهم فزادهم هدىً ، وبفتىً حطم أصنام الضلال بيده ، وبنبيٍّ رأى برهانَ ربه فاعتصم عن الفحشاء ، وبإنسانٍ آتاه الله الحكم صبيا...فأخذ كتاب ربه بقوة الشباب، وحكمة الشيوخ... وبشابٍ في الثامنة عشرة من عمره ولاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أميراً.
ونحن إذا ما أردنا للأمة الرقيَّ في كافة مجلات الحياة فلنبدأ من الشباب فإن الشباب همُ عدةُ الأمة ، وهم أملُ الحاضر ، ورجال المستقبل ، وسيكون منهم : القائدُ والحاكم ، والوزير والقاضي والمعلم ُوالعامل , والمربي لمن يأتي من الأجيال ، إذاً فتربية الشباب ليست هينةً ولا سهلة ، وإنما تحتاج إلى متابعة دقيقة من الآباء والمربين  والمسؤولين .
 ومن الواجب أن يبدأ الآباءُ والمربون في إعداد الشباب منذ الطفولة ، ويجب أن يستمر هذا الإعدادُ إلى أن يشتد عودُ الطفل ، ويبلغَ مرحلة النضوج الفكري والعملي.
"وينبغي على المربين أن يربوا الشبابَ على أساسٍ إسلامي خالصٍ من كل الشوائب، وأولُ ما يبدأ به هؤلاء : تربيةُ الشباب على القيم والعادات الإسلامية ، وتحسينُ الإسلام في نفوسهم من خلال التاريخ المشرق منذ عهدِ الصحابة الكرام إلى الوقت الحاضر ، وإلى ما يشاء الله تعالى "    [32] .
وكلُّ شابٍّ منّا يريد أن يكون ناجحاً في حياته ، وكثيراً ما يتساءل الناسً في مجتمعاتهم وندواتهم : من هو الشابُّ الناجحُ يا تُرى ؟! " إن الشاب الناجح هو الشابُّ الذي يثق بنفسه، وثقتُهُ هذه هي التي تجلب له الاحترام من الغير الذي يرنو إليه كلُّ شاب، ولا بد أيضاً من صحبة الأخيار من الأصدقاء، ويسلك السلوكَ الإسلاميَّ الرفيع بدفع الأذى بالإحسان، والمنعِ بالجود والعطاء...سلاحُهُ الإيمان، وعمادُه التوكل ، وغذاؤُه المواظبةُ على القربات والطاعات، وأن يكون طموحُهُ وتطلعه إلى المثل العليا فإن الشبابَ بلا طموح كشجرة لا تُزهر وبالتالي لا تُثمر".[33]
إننا لا نريد إلا شباباً طامحين ، لا يرتضون إلا ذرى الجبال مطيةً لهم ، وجسرَ التعب ليصلوا من خلاله إلى الراحة الكبرى ، إلى رياض الخير والبركة ، ونريدُ شباباً على طريق الهدى والتقى سائرين ، وبنهج سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم مقتدين .
لقد علم أعداء الإسلام أهمية دور الشباب في بناء الأمة ؛ فحرصوا حرصاكًبيرا عًلى إلهائهم، وتسميم أفكارهم ، وزرع الميوعة
والخلاعة في نفوسهم ، وخططوا ودبروا لتبديد هذه الثروة ، ثروة الشباب وتعطيلها وإفساد طاقتها، وتخريب قوتها  ، فظهر جيل من الشباب مقلِّد لٌأعداء الله ، متشبه بٌهم ، معجب بٌأطروحاتهم وأفكارهم،متبع لٌهم،مسلم بٌما جاء من عندهم؛حتى وصل الحال ببعضهم بازدراء أحكام الإسلام ، والتخوُّف من الحكم الإسلامي ، والتندُّر بالملتزمين والمتدينين، ووصفهم بأنهم معقدون ومتشددون!! قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [34]
وظهر جيل آخر من الشباب متشبه بٌأعداء الله في الظاهر أو المظاهر ، فيتسمى بأسمائهم ، ويقلدهم في لباسهم ، ويتشبَّه بهم في تصرفاتهم وحركاتهم وقصَّاتهم ، ويعظم صور لاعبيهم وسفهائهم ، وكأنهم لم يسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن تشبه بقوم فهو منهم )[35].
الأرصفة والشوارع ، يصدون عن سبيل الله، أو يجلسون أمام البيوت يتتبعون عورات خلق الله، ويتجمعون في الأسواق والمنتزهات
لمضايقة النساء وإيذاء المارة ، حياته ، يظنون أن الرجولة في تصفيف الشعر وتنسيق الثياب ، والوقوف طويلا أمام المرآة للظهور  بمظهر جذاب .
يظنون أن الرجولة في التبجح بالحديث عن المغامرات والمعاكسات ، وملاحقة الساقطين والساقطات  ويروون قصصهم في ذلك بكل جفاء وقلة حياء .
وآخرون يظنون أن الرجولة فيسماع الأغاني ورفع الصوتبها في السيارة أو على الدراجة  قال تعالى :﴿أفَحَسَبِتْمُ أْنََّماَ خلَقَنْاَكمُ عبَثَاً وأَنََّكمُ إلِيَنْاَ لَا ترُجْعَوُن فتَعَاَلىَ اللَّه المْلَكِ الحْقَُّ لَا إلِهَ إلَِّا هوُ ربَُّ العْرَشْ الكْرَيِم .﴾ [36]
إنهم جيل القنوات الفضائية ، والقصَّات الغربية ، والرقصات الهستيرية ، والتكسر في المشية.
جيل الأندية والتشجيع ، والتفريط والتضييع ، والقبعات والبدلات ، والقات والسرقات ، والحبوب والمخدرات.
جيل الأفلام والجريمة  ، والتخنث والميوعة ، وتضييع الأصول والقيِمَ  ؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك).[37]
نماذج مشرقة من شباب الصحابة وإهتمامهم بمعالي الامور :
1/طلب العلم :
إن طلب العلم لا غنى عنه لأي شاب يريد عبادة ربه تبارك وتعالى والاستقامة على دينه، فضلاً عمن يريد الدعوة لدين الله .
ولقد كان شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم يدركون أهمية العلم وفضله ، بل وضرورته ، ولذا حفظت لنا سيرهم المواقف العديدة من حرصهم على العلم وعنايتهم به ، وهي مواقف يصعب استقصاؤها، لكني أشير إلى أهم ما وقفت عليه من خلال المظاهر الآتية :
·        المبادرة والحرص على التعلم والسماع :
فها هو أحد شباب الصحابة وهو عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه – يقول : أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : "لا يبول أحدكم مستقبل القبلة" وأنا أول من حدث الناس بذلك.[38]
إنها صورة من صور المبادرة في سماع العلم وتبليغه، وهو حين يكون أول سامع وأول مبلغ فلم يكن ذاك في مجتمع غافل بعيد عن العلم والعناية به، بل في مجتمع العلم والعلماء.
وكان عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - وهو من صغار الصحابة حريصاً على تلقي العلم، فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه أجمع وأهَّله ذلك لإمامتهم، كما سبق قبل قليل في حفظ القرآن.
ويحكي لنا أحدهم وهو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب بضعاً وعشرين مرة، أو بضع عشرة مرة: (قل يا أيها الكافرون). و (قل هو الله أحد)". [39]
إن هذا الاستقصاء والحرص دليل على مبلغ العناية بالتعلم ، وحين ندرك أن ذلك كان في صلاة النافلة ، وفي قراءة سرية نعلم مبلغ الجهد الذي بذله - رضي الله عنهما - في تتبع ذلك.
ولهذا كانوا يحرصون على تتبع أحواله صلى الله عليه وسلّم كما حكى زيد بن خالد - رضي الله عنه - إذ قال : "لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة". [40]


2/ حفظ العلم :
إن هذا الحرص على التحصيل والتعلم لم يكن شعوراً داخلياً فحسب بل نتج عنه التحصيل والحفظ والإدراك.
وهذه شهادة من عمران بن حصين - رضي الله عنه - في الحفظ لأبي قتادة في حديثه الطويل؛ إذ حدث أحد الرواة عنه وهو عبد الله بن رباح فقال: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث فإني أحد الركب تلك الليلة قال: قلت فأنت أعلم بالحديث، فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم قال فحدثت القوم فقال عمران: "لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته". [41]
والنعمان بن بشير - رضي الله عنه - يذكر عن نفسه أنه حفظ ما لم يحفظه غيره إذ يقول : " أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة - العشاء - ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصليها لسقوط القمر لثالثة - غياب القمر ليلة الثالث من الشهر -".[42]
3/ تخصيصه صلى الله عليه وسلّم لهم بالوصية والتعليم :
ومادام هؤلاء بهذا القدر من الحرص على العلم، والإقبال عليه والشغف به فقد عني صلى الله عليه وسلّم بتعليمهم؛ فتحفل السنة النبوية بالعديد من المواقف التعليمية التي يخص فيها صلى الله عليه وسلّم أحداً من هؤلاء بوصية أو موعظة أو تعليم حكمة، ومن ذلك :
تعليمه صلى الله عليه وسلّم لمعاذ - رضي الله عنه - مسألة من أعظم المسائل في التوحيد فيقول - رضي الله عنه -: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلّم على حمار يقال عفير، فقال: "يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟" قال : قلت : الله ورسوله أعلم، قال : "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً". [43]
ولعظم شأن هذا الحديث لا يجد من صنف أو تحدث في توحيد الله مناصاً من إيراده والاستشهاد به.
ومرة أخرى يعلم صلى الله عليه وسلّم معاذاً - رضي الله عنه - باباً من أبواب الخير فيقول له: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله". [44]
ويوصي صلى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وصية بالغة عظيمة ، يرويها لنا بنفسه فيقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". [45]
ومن ذلك تعليمه صلى الله عليه وسلّم للحسن - رضي الله عنه - دعاء القنوت ، فيقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت".[46]
وعلَّمَ البراءَ بن عازب - رضي الله عنه - دعاءً للنوم فقال: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلّم فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت".[47]
وروى شداد بن أوس - رضي الله عنه - حديث سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" قال: "ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة". [رواه البخاري 6306، والحديث يدل على قيمة تلقي العلم عن أهله، فمن كان أستاذه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه].
وفي رواية للترمذي أنه صلى الله عليه وسلّم قال له: "ألا أدلك على سيد الاستغفار؟". [رواه الترمذي 3393].
إن كثيراً ممن يقرأ هذه النصوص يدرك منها حرص النبي صلى الله عليه وسلّم على تعليم أصحابه، وهو معنى صحيح بلا شك.
لكنها تدل بالإضافة إلى ذلك على حرص الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم على التعلم وطلب العلم، فالعلم لا يبذل إلا لمن يريده ويحرص عليه.
كتابة العلم:
وتميز بعضهم بالحرص على كتابة العلم إذ كانت الكتابة وسيلة لحفظه وضبطه، فن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب". [رواه البخاري 113].
ويحدثنا هو - رضي الله عنه - عن ذلك فيقول: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق". [رواه أحمد، وأبو داود 3646، والدارمي 490].

 4/ الحرص على السؤال:
ومن صور حرصهم على العلم - رضوان الله عليهم - السؤال، فتحفل السنة النبوية بالعديد من النصوص التي فيها سؤالهم له صلى الله عليه وسلّم عن مسائل من العلم وإجابته لهم صلى الله عليه وسلّم ومن ذلك:
ما يرويه لنا معاذ - رضي الله عنه - قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلّم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار ، قال : لقد سألتني عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".[48]
ولما كان صلى الله عليه وسلّم مدركاً لحرصه - رضي الله عنه - زاده مما لم يسأل عنه - ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل. قال ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...) حتى بلغ: (... يَعْمَلُونَ).
 ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت له: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". [49]
ويسأل أنس بن مالك - رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلّم عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها، قال: "ليصلها إذا ذكرها". [50]
وحين تواجه أحدَهم واقعةٌ يبادر بالسؤال عن الحكم الشرعي فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فتى شاب من بني سلمة فقال: إني رأيت أرنباً فحذفتها، ولم تكن معي حديدة أذكيها بها، وإني ذكيتها بمروة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: "كل". [51]
وحين تفوت أحدَهم سنة عن النبي صلى الله عليه وسلّم يسأل غيره عنها كما يحكي لنا عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه في يوم فتح مكة "دخل صلى الله عليه وسلّم على ناقة لأسامة بن زيد، حتى أناخ بفناء الكعبة، فدعا عثمان بن طلحة بالمفتاح، فجاء به ففتح، فدخل النبي صلى الله عليه وسلّم وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة، فأجافوا عليهم الباب ملياً، ثم فتحوه، قال عبد الله - ابن عمر -: فبادرت الناس، فوجدت بلالاً على الباب قائماً، فقلت: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال: بين العمودين المقدمين، قال: ونسيت أن أسأله: كم صلى؟". [52]
ويبلغ السؤال عن مسائل العلم عند بعضهم قدراً من الأهمية يجعله يبادر فيه كما يحكي لنا ابن عمر - رضي الله عنهما - عن نفسه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يريد أن يدخل حجرته فأخذت بثوبه، فسألته فقال: "إذا أخذت واحداً منهما بالآخر فلا يفارقنك وبينك وبينه بيع". [53]
العلم أهم حوائجهم:
والسؤال عن العلم أولى عند بعضهم من حوائجه الخاصة فحين قدم قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ومعهم شاب هو عبد الله بن واقد السعدي وكان أصغرهم سألوه حوائجهم أما هو فكان له شأن آخر، فلنستمع إليه يحدثنا عن حاجته :
وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في وفد كلنا يطلب حاجته، وكنت آخرهم دخولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إني تركت من خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، قال: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار".[54]
 5/ الفهم والفقه:
والعلم لا يقف عند مجرد الحفظ والسؤال، بل لابد من الفقه والفهم؛ إذ هو الوسيلة لأن يتحول العلم إلى عمل ويبدو أثره على صاحبه، لذا فقد كان لشباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم نصيب ورصيد من ذلك، سأل صلى الله عليه وسلّم أصحابه يوماً، فقال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟. فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هي النخلة". [55]
وعن علي - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، قال: فلما خرجوا قال: وجد عليهم في شيء فقال: قال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قال: قالوا: بلى، قال: فقال: اجمعوا حطباً ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، قال: فهمَّ القوم أن يدخلوها، قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلّم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا، قال: فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبروه فقال لهم: "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً إنما الطاعة في المعروف".[56]
إن هذا الشاب مع فقهه وفهمه - رضي الله عنه - يضرب لنا مثلاً في التأني وعدم التعجل في إصدار الأحكام، وأن تكون مواقف المرء موزونة بميزان الشرع الدقيق، لقد تعارض لديه أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بطاعة هذا الأمير، وكونه قد اتبع النبي صلى الله عليه وسلّم فراراً من النار، فلم يقل لا نطيعه، إنما قال: لا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلّم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا.
فما أجدر طالب العلم أن يتحلى بالاتزان والتأني في إصدار الأحكام، ومراعاة الأمر من جميع جوانبه.
ويناقش أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أحد أصحابه فيقره صلى الله عليه وسلّم على ما ذهب إليه، فعنه - رضي الله عنه - قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال رجل: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو مسجدي ، وفي رواية : فقال رجل من بني خدرة.
وقد بينت رواية مسلم أن الرجل من بني خدرة هو أبو سعيد، إذ هو الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلّم فسأله، فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: "هو مسجدكم هذا" لمسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.[57]
إن الفهم والفقه هو الذي يعين على تحول العلم إلى عمل، واستثمار هذا العلم والاستفادة منه، وهو الذي يعين على الانضباط وعدم الجمود على ظاهر نص لم يفهمه المرء ولم يفقهه ومعارضة النصوص الأخرى به.
ولهذا أثنى المعلم الأول صلى الله عليه وسلّم على أولئك الذين يفقهون فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به". [58]
6/ شهادته صلى الله عليه وسلّم لهم بالعلم :
ويعطي صلى الله عليه وسلّم شهادة عظيمة - وهو الذي لا ينطق عن الهوى - بأن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام هو أحد شباب الصحابة - رضوان الله عليهم - ألا وهو معاذ بن جبل.
وشهادة لآخر من الشبان هو زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فيشهد له صلى الله عليه وسلّم أنه أفرض الأمة. يقول صلى الله عليه وسلّم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".[59]
ومن جوانب عناية هؤلاء بالعلم، وسبقهم في تحصيله أن غالب المكثرين في الرواية هم من الشباب كجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - جميعاً.
ولئن كان من أسباب تميز هؤلاء بكثرة الرواية تأخر موتهم فهل هذا وحده هو السبب الأوحد؟. إننا حين ندرك أن الكثير من الصحابة غيرهم تأخر موتهم ومع ذلك لم تبلغ مروياتهم مبلغ هؤلاء، ندرك أن ثمت سبباً آخر يضاف لذلك ألا وهو عناية هؤلاء وحرصهم على السماع منه صلى الله عليه وسلّم أو السماع ممن سمع منه من كبار الصحابة، ويتضح ذلك من خلال سيرتهم وحرصهم على تتبع أحواله صلى الله عليه وسلّم.
7 / الاجتهاد وتحمل المشاق :
العلم مطلب نفيس لا يستطال ولا يدرك براحة الجسد، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم كانوا من أكثر الناس إدراكاً لهذه الحقيقة ، وإليك هذا الشاهد من جلد وصبر حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - كما يروي ذلك بنفسه فيقول:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي عليه السلام من ترى؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح علي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: ياابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني . [60]
8/  تعلم الإيمان:
عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه – قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم ونحن فتيان حزاورة. "الحَزَوَّر هو الغلام إذا اشتد وقوي وخدم ، وهو الذي قارب البلوغ.[61]  
فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً".[62]
فهو يذكر لنا - رضي الله عنه - جانباً مهماً من جوانب التعلم التي قد غفل عنها كثير من طلبة العلم اليوم، فأهملوا تعلم الإيمان ومسائله، وشعروا أن العلم إنما يتمثل في تعلم مسائل الأحكام وحدها، والعناية بجمع آراء الرجال واختلافهم حول مثل هذه المسائل، ونسي أولئك أصل الأصول وأساس الأسس، لذا فلا نعجب حين ندرك هذا الخلل أن نرى عدم التوافق بين ما يحمله بعض الناس من العلم وبين سلوكه وسمته.
ولقد كان السلف - رضوان الله عليهم - يعنون بذلك فها هو ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: "ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم خشية الله". [63]
ومالك رحمه الله يقول: "العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل". [64]
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوان يختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء"، فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله، وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئه نساءنا وأبناءنا، فقال: "ثكلتك أمك يازياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم؟" قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، قال: قلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت أخبرتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً. [65]
فهل يعد الخشوع اليوم علماً؟
وقال عبد الأعلى التيمي: "من أوتي من العلم ما لايبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه، لأن الله تعالى نعت العلماء، ثم قرأ القرآن (إن الذين أوتوا العلم... إلى قوله... يبكون). [66]
وقيل لسعد بن إبراهيم: "من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربه". [67]

8/ التأدب في طلب العلم وتوقير أهله:
إن الطالب قد تسيطر عليه العناية بتحصيل العلم وحرصه عليه فينسى ما رواء ذلك ويقع في سوء الأدب مع من يعلمه.
أما الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم فلهم مع ذلك شأن آخر فعنايتهم - رضوان الله عليهم - بالسؤال وحرصهم عليه لم تكن لتخرجهم عن حدود الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم فها هو أحدهم وهو البراء بن عازب - رضي الله عنه - يقول: "إن كان لتأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن شيء فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب". [68]
ومن صور ذلك ما سبق من أدب ابن عباس - رضي الله عنهما - وتوسده الباب وامتناعه عن طرقه.
ولهذا عني أهل العلم ببيان آداب طالب العلم مع من يعلمه العلم، فيجدر بالشاب أن يتعلم مثل هذه الآداب ويلزم نفسه بها .
9/ العبادة :
لقد كان شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وهم تلاميذ مدرسة النبوة قدوة لمن بعدهم في العبادة والاجتهاد فيها.
ومما حفظته لنا السير من عبادتهم - رضوان الله عليهم - ما حدث به النعمان ابن بشير - رضي الله عنه - على منبر حمص إذ قال: "قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، قال: وكنا ندعو السحور الفلاح...". [69]
إن شهود النعمان بن بشير - رضي الله عنه - هذه الصلاة مع ما وصف من حالها وهو صغير ليعطي الشاب المسلم الدافع والعزيمة للتأسي بهم - رضوان الله عليهم - والاجتهاد في عبادة ربه.
ومع شاب آخر من شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فيقول: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلّم ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلّم ، وكنت غلاماً أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل" قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. [70]
وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - زوجه أبوه امرأة فكان يتعاهدها، فتقول له: نعم الرجل لم يكشف لنا كنفاً ولم يطأ لنا فراشاً - تشير إلى اعتزاله - فاشتكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فكان معه الحوار الطويل حول الصيام وختم القرآن وقيام الليل، وكان مما قاله - رضي الله عنه -: "دعني أستمتع من قوتي ومن شبابي".
وإنكار النبي صلى الله عليه وسلّم عليه ليس منصباً على حرصه على العبادة، إنما لكونه قد حمل نفسه مالا تطيق، ولهذا فلا غنى للشاب عن التوازن وألا يحمل نفسه مالا تطيق، وفي الوقت نفسه ينبغي ألا يكون ذلك حاملاً له على إهمال العبادة وعدم العناية بها.
وكان محمد بن طلحة - رضي الله عنه - يلقب بالسجاد لكثرة صلاته وشدة اجتهاده في العبادة، ولقد وصفه قاتله بذلك حين رفع عليه السيف فقال له محمد : نشدتك بحم ، فأنشأ يقول:
وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
ضممت إليه بالقناة قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم
على غير ذنب أن ليس تابعاً علياً ومن لايتبع الحق يَظْلم
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم.[71]
وكان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - صواماً قواماً كما قال عنه ابن عمر - رضي الله عنهما - "أما والله إن كنت ما علمت صواماً قواماً وصولاً للرحم". [72]
العبادة لا تفارقهم حتى في البيوت:
ولقد عمر أولئك - رضوان الله عليهم - بيوتهم بالعبادة والطاعة، فكانوا أسعد الناس بوصية النبي صلى الله عليه وسلّم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر". [73]
حين سئل نافع رحمه الله عما يفعله ابن عمر - رضي الله عنهما - في منزله قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. [74]
واليوم يشعر كثير من الشباب الصالحين أن بقاءه في منزله يكون مدعاة للزلل ومواقعة المعصية فلعل مما يعينه على تجاوز هذه المشكلة أن يأخذ بهذا الهدي النبوي فيكون له نصيب من عبادة الله في بيته ليعتاد العبادة وتصبح ديدناً له وشأناً.
والعبادة عند شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ليست في حال الإقامة فحسب بل حتى في السفر فعن ابن أبي مليكة رحمه الله قال: "صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ، فكان إذا نزل قام شطر الليل، فسأله أيوب كيف كانت قراءته ؟ قال : قرأ ( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ). [75]
فجعل يرتل ويكثر في ذلك النشيج". [76]
والأمر في السفر لا يقتصر على الصلاة بل يمتد إلى الصيام إذ يقول حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه -: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". [77]
وفي بعض روايات الحديث "إني رجل كثير الصيام، أفأصوم في السفر؟".
والشاهد من هذا الحديث ليس مجرد الصيام في السفر، إنما هو في عناية هذا الصحابي رضي الله عنه بالصيام، كما توضح ذلك الرواية الأخرى، والصيام من العبادات التي يحتاجها كل مسلم والشباب بالأخص إذ أوصاهم صلى الله عليه وسلّم بذلك في قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". [78]
10/  الحرص على أعمال الخير :
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة  فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال ، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلّم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلّم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلّم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال: نعم قال: أنس وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لك ثلاث مرار: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق". [79]
وسأل أنس - رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشفع له، كما يحدثنا هو عن ذلك: سألت النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: "أنا فاعل" قال قلت: يا رسول الله، فأين أطلبك؟ قال: "اطلبني أول ما تطلبني على الصراط"، قال قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: "فاطلبني عند الميزان"، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: "فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن"[80].
واليوم لسنا بحاجة إلى أن نتبع فلاناً لننظر ماذا يفعل، ولن نستطيع أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشفع لنا ونسأله أين نلقاه، لكن أبواب الخير وطرقه والأسباب التي يحصل بها المرء بإذن الله على الشفاعة قد بينها لنا صلى الله عليه وسلّم أتم بيان، فلم يبق إلا العمل.
ومن رحمة الله بعبادة أن وسع لهم أبواب التقرب والعبادة من تلاوة وذكر وصيام وصدقة، فيشعر المسلم أن أبواب الخير واسعة، ومجالات الإحسان ليست قاصرة على نوع من أنواع الطاعات.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة".
قال حسان: "فعددنا ما دون منيحة العنز، من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة". [81]





[1] - سورة يوسف الاية (111)
[2] - سورة الكهف الايات (7 - 14)
[3] -سورة الكهف الايات (15-17)
[4] -سورة الكهف الاية (9)
[5] -محمد بن صالح العثيمين ، تفسير سورة الكهف ، ص (21) ط : دار ابن الجوزي . بالمملكة العربية السعودية .
[6] - محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن الملقب بالفخر الرازي ، التفسير الكبير للرازي 21/ 81 ، 82 بتصرف ، ط : البهية المصرية القاهرة  طبع على نفقة عبدالرحمن مصطفى
[7] - سورة الكهف  الاية (16)
[8] - سورة محمد الاية (7)
[9] - القطاني ، أحمد بن عبد العزيز : ذاتية المؤمن طريق النماء ، ص : 12-13. ط : دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع سنة 1992م
[10] -سورة الكهف الاية (15)
[11] - سيد  قطب ، في  ظلال القران ، ج : 4 ، ص (2262 )
[12] -سورة الانعام الاية (59)
[13] - سورة النمل الاية (62)
[14] -سورة غافر:الاية (60)
[15] -أخرجه أبو داوود رقم الحديث (1479) والترمذي في سننه (2969) من رواية النعمان بن بشر رضي الله عنه .
[16] -حامد كمال عبدالله ، معجم أجمل ماكتب  شعراء العربية ، ص (17) ط : دار المعالي للتوزيع والنشر الدولية – الدمام .
[17] -  سورة يونس: (107)
[18] - سورة القمر ( 10)
[19]-  سورة القمر الايات (11- 12)
[20] -سورة البقره (37)
[21] سورة الانبياء الاية(87-88)
[22] سورة الانبياء الاية (83)
[23] سورة الانبياء الايات (83-84)
[24] - مقبل بن هادي الوادعي  ، صحيح دلائل النبوة  رقم (311) ط : مكتبة صنعاء الاثرية الطبعة الثانية 1424هـ
[25] - سورةالأنفال : ( 12)
[26] - سورة آل عمران:(123)
[27] - سورة الكهف الاية (10)
[28] - أحمد بن حجر العسقلاني ، المطالب العالية ، 13/4 من رواية إم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،ط :دار الوطن – الرياض الطبعة الاولى  سنة 1418هـ
[29] - محمد بن ابي بكر بن محمد ، جلال الدين السيوطي ، الكامل في الضعفاء ، ج:2/153. ط : دار الكتب العلمية  الطبعة الاولى سنة 1418هـ .
[30] - تفسير القران العظيم  2/1147
[31] - سيد قطب ، في ظلال القران ، ج 4، ص(2266)
-[32] د: أحمد خليل جمعة، د ك عصام الشواف الشباب مشكلات وحلول، ص: 13، ط: 1، 1425هـ ، اليمامة ، دمشق.

[33] - منير غندور، يا أولادي ، ص : 218 - 119 .  ط: مكتبة الفارابي،، 1425، 2004م بتصرف.
[34] - سورة الكهف الاية (29)
[35] - نور الدين علي بن بكر الهيثمي ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، رقم الحديث (17959) كتاب الزهد ، ( باب من تشبه بقوم فهو منهم ) ط : مكتبة القدسي سنة النشر  : 1414هـ  ـ 1994م
[36] -سورة المؤمنون الايات (112- 116)
[37] - محمد جمال الدين القاسمي  ، موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ، كتاب ذكرالموت وما بعده ، مسألة : المبادرة الى العمل وحذر آفة التأخير ، ط: دار الكتب العلمية ، سنة النشر 1415هـ ـ 1995م .
[38] -أحمد بن حنبل ، مسند الامام أحمد رقم الحديث ] 17717، 17718].
[39] -أحمد بن حنبل ، مسند الامام أحمد رقم الحديث ] 2/ 58 5214].
[40] - مسلم  بن حاج ، صحيح مسلم برقم ]765].
[41] - مسلم بن حجاج برقم ]681].
[42] - الترمذي 165 ، والنسائي ] 528، وأبو داود 419].

[43] محمد بن إسماعيل البخاري ، الجامع الصحيح المسند ، ] 285 [ومسلم بن حجاج برقم ] 30].
[44] - أحمد بن حنبل ،مسند الامام أحمد ] 22057].
[45] - محمد بن إسماعيل البخاري الجامع الصحيح ، برقم ]6416].
[46] - الترمذي برقم ] 464 [ ،  والنسائي برقم ]1745 [،  وأبو داود ] 1425[ ،  وابن ماجه] 1178[

[47] -محمد بن اسماعيل البخاري [ 247 ]، ومسلم [ 2710].
[48] - أحمد بن حنبل ، مسند الامام حمد ، برقم  [22077[، والترمذي [ 2616].
[49] - سبق تخريجه .
[50] -[رواه أحمد 13267].
[51] -[رواه أحمد 14499].
[52] -[رواه أحمد 2/ 33 4890].
[53] -[رواه أحمد 5554].
[54] - [رواه أحمد 22387، والنسائي 4172].
[55] -[رواه البخاري 131، ومسلم 2811].
[56] - [رواه أحمد 624، وهو في الصحيحين دون موضع الشاهد].
[57] -  [رواه مسلم 1398].
[58] -[رواه البخاري 79، ومسلم 2282].
[59] -[رواه الترمذي 3790، وابن ماجه 155].

[60] - رواه الطبراني كما في المجمع ] 9/ 277، وقال: رجاله رجال الصحيح].
[61] - بن منظور لسان] 4/ 187].
[62] - ابن ماجه ] 61].
[63] -جامع بيان العلم وفضله 2/ 52].
[64] -سبق تخريجه .
[65] - [رواه الدارمي 288].
[66] -الإسراء: 107الايات ( - 109)". [أخرجه الدارمي 291].
[67] - [أخرجه الدارمي 295].
[68] -[رواه أبو يعلى].
[69] -[رواه أحمد 18432].

[70] - [رواه البخاري 3738- 3739].
[71] -[أسد الغابة 5/ 93- 94].
[72] -[رواه مسلم 2545].
[73] -[رواه مسلم 780].
[74] -[رواه ابن سعد، وانظر:. سير أعلام النبلاء 3/ 215].
[75] -سورة ق: ]19]
[76] - [سير أعلام النبلاء 3/ 342].
[77] -[رواه مسلم 1121 وفي رواية للبخاري 1943: "وكان كثير الصيام"]
[78] -[رواه البخاري 5065 ومسلم 1400].

[79] -[رواه أحمد 3/ 166].
[80] -. [رواه الترمذي 2433، وأحمد 12831]
[81] -[رواه البخاري 2631].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق