الاثنين، 10 مارس 2014

مدخل عام الى سورة الكـــــــــهف :


الفصل 1

ويشمل المباحث التالية :
1- المبحث الاول تعريف عام بسورة الكهف .
2- المبحث الثاني محاور السورة .
3- المبحث الثالث المناسبات في السورة .


وإليكم التفصيل لهذه المباحث الثلاثة :
* المبحث الأول : التعريف بسورة الكهف:
سميت ‏سورة ‏الكهف ‏لما ‏فيها ‏من ‏المعجزة ‏الربانية ‏في ‏تلك ‏القصة ‏العجيبة ‏الغريبة ‏قصة ‏أصحاب ‏الكهف‎ .‎‏


أولا : التعريف بالســورة :
سميت هذه السورةُ الكريمةُ بسورة الكهف ، وسورة أصحاب الكهف : نسبة إلى الكهف الذي أوى إليه الفتيةُ ، فكان فيه نجاتُهم وعصمتُهم ، وقد اشتملت السورة الكريمة على العواصم من الفتن ، فهي عصمةٌ ونجاةٌ من الفتن عموما ، ومن أعظم الفتن التي تتربصُ بالإنسانية ، وقد حذّر منها نبيُّنا r أشدَّ التحذيرِ ، فتنةِ المسيح الدجال ، فكان من خواصِّ هذه السورة الكريمة ، أنها عصمةٌ من فتنته ونجاةٌ من شرِّه ، وفي تسميتها بسورة " أصحاب الكهف " : تنويهٌ على شرفهم وتخليدٌ لذكرهم ، وتكريمٌ لهم ، وتقديرٌ لثباتهم وتضحيتهم ، فضلا عما تحويه قصتُهم من نموذجٍ عمليٍّ فريدٍ ومثالٍ تطبيقيٍّ رشيدٍ ، لمن سلك طريقَ النجاة من الفتن" . [1]


يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال : " القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة. ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف، وبعدها قصة الجنتين ، ثم إشارة إلى قصة آدم وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين. ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة، فهو وارد في إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية ؛ ومعظم ما تبقى من آيات السورة هو تعليق أو تعقيب على القصص فيها . وإلى جوار القصص بعض مشاهد القيامة ، وبعض مشاهد الحياة التي تصور فكرة أو معنى، على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير، أما المحور الموضوعي للسورة الذي ترتبط به موضوعاتها، ويدور حوله سياقها، فهو تصحيح العقيدة وتصحيح منهج النظر والفكر. وتصحيح القيم بميزان هذه العقيدة.[2]


ثانيا: سبب نزول سورة الكهف :
أما عن سبب نزول سورة الكهف فقد ذكر محمد ابن إسحاق عن ابن عباس قال : بعثت قريش النصر بن الحارث ، وعقبة ابن أبي معيط إلى أحبار – يهود بالمدينة ، فقالوا لهم : سلوهم عن محمد وصفولهم صفته وأخبر وهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ماليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسالوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوه لهم أمره وبعض قوله ، وقالا : إنكم أهل التورة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا ، فقالوا لهم:سلوه عن ثلاثا نأمركم بهن،فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فرجل متقول فتروا فيه رأيكم ، سلوه عن ألفية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب ،وسلوه عن رجل طواف ، بلغ مشارق الأرض ومغاربها ماكان من نبئه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فأن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه ، وإن لم يخبركم فإنه متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم ، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش ن فقالا : يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا لأأحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروا فجاؤوا رسول الله صلى الله وعليه وسلم فقالوا : يا محمد ! أخبرنا ، فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخبركم غدا عما سالتم عنه " ولم يستثني ، فانصرفوا عنه ومكث رسول الله عليه وسلم خمسة عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك وحيا ، ولا ياتيه جبريل عليه السلام حتى ارجف أهل مكة
وقالوا : وعدنا محمد واليوم خمسة عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيئ عما سألناه عنه ، وحتى أحزن رسول الله صلى الله وسلم مكث الوحي وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاء جبريل عليه السلام من الله عزوجل بسورة أصحاب الكهب فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر عما سألوا عنه من خبر الفتية والرجل الطواف وقول الله عزوجل [3]:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا)[4]
قد ميز الله بعض كلامه عن بعض بخصائص ووظائف وحث نبي الله صلى الله عليه وسلم على سور وآيات مخصوصة ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة هى " أعظم سورة فى القرآن "[5]
وأن ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (تعدل ثلث القرآن)[6]وأن ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ( لم ير مثلهن قط ) [7]وأخبر صلى الله عليه وسلم أن ( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه )[8] وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )[9]وقوله عليه الصلاة والسلام( وأن أعظم آية فى كتاب الله هى آية الكرسي).[10]ومن هذه الكلمات التامات والسور المباركات سورة الكهف ،وهى السورة التى ورد الخبر بمدحها
وتبيانها .


ثالثا : فضل سورة الكهف في الاحاديث النبوية الشريفة:
2- أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين )[11]
2- عن البراء بن عازب رضي الله عنهما : "قرأ رجل الكهف وفي الدار الدابة فجعلت تنفر ، فسلم ،فإذا ضبابة أو سحابة غشيتة ، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :اقرا فلان فإنها السكينه نزلت للقران أتنزلت للقران "[12]
روى مسلم عن أبى الدر داء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال"وفى رواية :"من آخر سورة الكهف"[13]
إحدى خمس سور فى القرآن الكريم تبدأ بالحمد لله وهي : ( الفاتحة-الأنعام-الكهف-سبأ-فاطر) .
هي أوسط القرآن أجزاؤه وكلماته.


فلأي شئ كان هذا الفضل؟ ولم كانت هذه المزية؟ ولماذا كانت عاصمة من فتنة الدجال؟‍
ومن خلال الإستقراء نجد أن سورة الكهف تحدثت فى مجملها عن طائفتين من الناس :
الأولى هى الطائفة : التي نظرت بالكلية إلى الأسباب مع ما فى ذلك من قدح فى التوحيد وطلب لزينة الحياة الدنيا ، وهذه هى طائفة المشركين أعداء الدين .

والطائفة الثانية:
هي التي عرفت هذه الأسباب ولم تنكرها وإنما ردتها إلى الله مسببها مع توكلها عليه سبحانه وانطراحها بين يديه بالكلية ، بحيث تتضاءل عندهم الأسباب وتتلاشى بالنظر إلى مشيئته وقدرته، فعلم الله مثل هذا من هذه الطائفة فخرق لها الأسباب كلها "خرقاً ربانياً " فى أربع آيات يتحدث بها العالمون والعجيب أن هذه القصص الأربع لم تتكرر فى موضع آخر من كتاب الله بما يحفظ لهذه السورة تفردها وتميزها.

رابعا : هدف السورة: العصمة من الفتن :
سورة الكهف سورة مكية وهي إحدى خمس سورة بدأت بـ ( الحمد لله) (الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر) وهذه السورة ذكرت أربع قصص قرآنية هي أهل الكهف، صاحب الجنتين، مسى عليه السلام والخضر وذو القرنين. 

وقصص سورة الكهف الأربعة يربطها محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة:


فتنة الدين (قصة أهل الكهف)، (فتنة المال :صاحب الجنتين) فتنة العلم :موسى عليه السلام والخضر)) وفتنة السلطة :ذو القرنين) . وهذه الفتن شديدة على الناس والمحرك الرئيسي لها هو الشيطان الذي يزيّن هذه الفتن ولذا جاءت الآيةفي قوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا )[14] وفي وسط السورة أيضاً. ولهذا قال النبي صلى الله وسلم " أنه من قرأها عصمه الله تعالى من فتنة المسيح الدجّال لأنه سيأتي بهذه الفتن الأربعة ليفتن الناس بها .


وكان صلى الله عليه وسلم " يستعيذ في صلاته من أربع منها فتنة المسيح الدجال.[15]
وقصص سورة الكهف كل تتحدث عن إحدى هذه الفتن ثم يأتي بعده تعقيب بالعصمة من الفتن :
1 - فتنة الدين: قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم فآووا إلى الكهف حيث حدثت لهم معجزة إبقائهم فيه ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعا وكانت القرية قد أصبحت كلها على التوحيد. ثم تأتي آيات تشير إلى كيفية العصمة من هذه الفتنة قال تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا)[16]

فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة.
. 2 فتنة المال : قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك الله تعالى الجنتين. ثم تأتي العصمة من هذه الفتنة ) وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ). [17]


والعصمة من فتنة المال تكون في فهم حقيقة الدنيا وتذكر الآخرة.
3 - فتنة العلم: قصة موسى عليه السلام مع الخضر وكان موسىعليه السلام ظنّ أنه أعلم أهل الأرض فأوحى له الله تعالى بأن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر لأنه لم يفهم الحكمة في أفعاله وإنما أخذ بظاهرها فقط. وتأتي آية العصمة من هذه الفتنة قال تعالى : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)[18].
" و تأتي قصة موسى والخضر عليهما السلام لتبين أن العلم الشرعي عصمةٌ من الفتن ، وأن العالم مهما بلغ من العلم فإن هناك من هو أعلم منه ومهما أوتينا من العلم فما قيمته وما قدره أمام علم علام الغيوب " ! [19]


والعصمة من فتنة العلم هي التواضع وعدم الغرور بالعلم.
4 - فتنة السلطة: قصة ذو القرنين الذي كان ملكاً عادلاً يمتلك العلم وينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها يعين الناس ويدعو إلى الله وينشر الخير حتى وصل لقوم خائفين من هجوم يأجوج ومأجوج فأعانهم على بناء سد لمنعهم عنهم وما زال السدّ قائماً إلى يومنا هذا. وتأتي آية العصمة قال تعالى : ) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [20].


فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الإعمال وتذكر الآخرة.
5 - ختام السورة : العصمة من الفتن: آخر آية من سورة الكهف تركّز على العصمة الكاملة من الفتن بتذكر اليوم الآخرة قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [21]
فعلينا أن نعمل عملاً صالحاً صحيحاً ومخلصاً لله حتى يقبل ، والنجاة من الفتن إنتظار لقاء الله تعالى.



ومما يلاحظ في سورة الكهف ما يلي :
-1 الحركة في السورة كثيرة : فانطلقا ، فآووا ، قاموا فقالوا ، فابعثوا ، ابنوا ، بلغا ، جاوزا ، فوجدا ، آتنا ) وكأن المعنى أن المطلوب من الناس الحركة في الأرض لأنها تعصم من الفتن ولهذا قال ذو القرنين : ( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ( أي دعاهم للتحرك ومساعدته ولهذا فضل قراءتها في يوم الجمعة الذي هو يوم إجازة للمسلمين حتى تعصمنا من فتن الدنيا.
2- وهي السورة التي ابتدأت بالقرآن وختمت بالقرآن قال تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا [22] ( قال تعالى : (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [23]. وكأن حكمة الله تعالى في هذا القرآن لا تنتهي وكأن العصمة من الفتن تكون بهذا القرآن والتمسك به.
3- الدعوة إلى الله موجودة بكل مستوياتها :فتية يدعون الملك وصاحب يدعو صاحبه ومعلّم يدعو تلميذه وحاكم يدعو رعيته.
4 - ذكر الغيبيات كثيرة في السورة : في كل القصص : عدد الفتية غيب وكم لبثوا غيب وكيف بقوا في الكهف غيب والفجوة في الكهف غيب ، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام كلها غيب ، وذو القرنين غيب. وفي هذا دلالة على أن في الكون أشياء لا ندركها بالعين المجردة ولا نفهمها ولكن الله تعالى يدبّر بقدرته في الكون وعلينا أن نؤمن بها حتى لو لم نراها أو نفهمها وإنما نسلّم بغيب الله تعالى.
سميت السورة بـ (سورة الكهف) (الكهف في قصة الفتية كان فيه نجاتهم مع إن ظاهره يوحي بالخوف والظلمة والرعب لكنه لم يكن كذلك إنما كان العكس)
قال تعالى : ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ).[24]


فالكهف في السورة ما هو إلا تعبير أن العصمة من الفتن أحياناً تكون باللجوء إلى الله حتى لو أن ظاهر الأمر مخيف ، وهو رمز الدعوة إلى الله فهو كهف الدعوة وكهف التسليم لله ولذا سميت السورة بسورة (الكهف) وهي العصمة من الفتن.


وبهذا المبحث يكون قد تعرفنا على سورة الكهف تعريفا شاملا ذكرت إسم السورة وتعريفها والاهداف التي ذكرتها المباركة وغير ذلك من الموضوعات المهمة .


المبحث الثاني : محاور السورة

مدخل لطيـف :
إشتملت سورة الكهف على عدة محاور وموضوعات نذكرها في هذا المبحث على النحو التالي :
1- ترسيخ أصول العقيدة وأركان الإيمان ومعالجة الشرك :
الخطاب فيها لأهل الكتاب وليس للمشركين على عادة السور المكية. وبدأت بالحمد لله ولم تبدأ بالحروف المقطعة.
الإيمان بالله تعالى : ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) [25]
الإيمان بالرسل ووظيفتهم : قال تعالى :( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ) [26]
الإيمان بالكتاب :قال تعالى :(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [27]
الإيمان بالملائكة : قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ) [28]
الإيمان بالبعث واليوم الآخر : قال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )[29]
الإيمان بالقضاء والقدر : قال تعالى :( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا..)[30]
معالجة الشرك : قال تعالى : (..فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )[31]


2- القصص القرآني:
وهو من الموضوعات التى تهتم بها هذه السورة فى محاولة جادة قوية لتأييد المؤمنين وتثبيتهم على ما هم فيه .
ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة ، فهو وارد فى إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية هى آيات السورة إلى جانب آيات التعليق أو التعقيب على هذا القصص وهي على النحو التالي :


1- قصة فتية الكهف (من 9 - 26) .
فهؤلاء هم فتية الكهف وقد ءآمنوا بربهم وأعلنوا البراءة مما سواه وألقوا الحرب والعداوة بينهم وبين ما اتخذ الناس من دونه قال تعالى : ( إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً )[32]

وقد استيقن لديهم أن القوم ماضون فى غيهم وأن الباطل صار ديناً لهم لازماً لحياتهم والدفاع عنه هو دفاع عن مقدراتهم ودولتهم بكل عناصرها ومؤسساتها وقد تملك زمام الأمور فيها عصابة من المجرمين والفتية قد خرجوا عن المألوف بإيمانهم حتى تعطلت مصالحهم وأرزاقهم – أو كادت – وأغلقت فى وجوههم أبواب الدنيا ومنعوا الوظائف وأسباب الحياة ولم يبق أمامهم إلا الاعتزال والفرار بالدين .
وربما ثقلت الجاهلية حينئذ على قلوب المؤمنين أو بغتتهم عاجلة الأسباب وربما تضخمت دولة الباطل وانتفشت حتى يظن الظان أنها لن تزول حينئذ تبرز قصة أصحاب الكهف لتكشف الوهم وتزيل الغبش وتحدد الحجم الحقيقي للقضية فالفتية .
إلا أنهم هم الفئة المعتبرة بالنظر فى كتاب الله والعرف الإيماني كذلك وهم يتساءلون كم تحتاج دولة الباطل حتى تنقضي وتزول ؟! ، مائة..مائتين أم ثلاثمائة سنة ؟! ، فما هو إلا أن طوى الله لهم الزمن حتى صارت الثلاثمائة سنين وزيادتها في حسهم كأنها يوم أو بعض يوم هكذا عاش الظالمون ما عاشوا إلا أن دولة الظلم حتما ستنتهى وتبيد وفى غمضة عين يضع المؤمن جنبه وقد استفرغ الوسع وانقطعت به الأسباب متوسلاً الرحمة والرشد فى علم الله المحيط فما يفيق إلا وقد تحقق وعد الله تعالى قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ )[33]


وعد الله بالبعث بعد الممات ووعدوه بالنصر والغلبة لعباده المؤمنين فى هذه الدنيا قال تعالى :(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ )[34]


2- قصة صاحب الجنتين :


ومن الموضوعات المهمة قصة صاحب الجنتين ودك المكان :


فهذه القصة تضخمت فيها الدنيا وعظمت أسبابها فى حس أصحابها وظنوا أن الله الذي بسطها ومدها لهم ليس بقادر على أن يقبضها ويطويها ، فهذا رجل ضعيف يستقى قوة من غيره ويستعلى بها وقد شده الماء والطين وتقوى بالمال والبنين قال تعالى : ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) [35]


بينما يقف فيها أهل الإيمان موقف الإستعلاء كالطود الشامخ لا تنال منه أنواء الفقر ولا عائزة الحاجة وقد تعلقوا بحبل الله المتين يتعبدون الله بالفاقة إليه التي أورثتهم الذلة له وقد علموا أنه مع الذلة تكون النصرة كما يتعبدونه أيضاً بتعجل بطشته بالظالمين وقطع دابرهم ولهذا قال المؤمن (فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ) [36]


وعندئذ لابد أن تتخرم أسباب الباطل وتتهاوى تلكم الدعاوى.


ولأمر ما فصل القرآن الكريم فى ذكر الجنتين وأفاض البيان بكل أبعاد المكان وعناصره حتى قال الرجل كما قال تعالى : (مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) [37]


نعم إلى هذا الحد كبرت الدنيا فى أعين أصحابها حتى ظنوا أنها لن تزول ! ثم كانت المفاجأة قال تعالى : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ) [38]


3- قصة نبي موسى مع الخضر عليهما السلام (من 60 - 82)


ومما هتمت به السورة المباركة أنها أبرزت محاور مهمة في موضوعات الآداب الإسلامية كأدب الصحبة وأدب الحوار وأدب العالم والمتعلم ،كما في قصة نبي الله موسى والخضر عليهما السلام .


وترتكز القصة فى مجملها على عنصرين رئيسيين هما : المال والبنين والذين سبق ذكرهما فى نفس السورة وهما زينة الحياة الدنيا ويمكنك تخيل القصة بدون ذكر العبد الصالح وهو الخضر عليـه السلام


وأن تضع نفسك مكان موسى عليه السلام وتعيش الحياة كما هى فترى مساكين تعاب مركبهم وهى كل مالهم ولقمة عيشهم ، وترى فيما يمر بك من أحداث الدنيا أبوين مؤمنين يموت صغيرهما وهو كل ما يرجون من هذه الحياة ويتكئون عليه فيها ، وهذه مصائب فى أعز ما يملك الناس – المال والولد – ربما ناحوا لها وقنطوا أو جزعوا وسخطوا وهم لا يدرون أن المنحة فى طيات المحنة والبلية هى فى حقيقتها عطية .


وترى فيما يرى السائر أيتام فى قرية لئام لا يملكون إلا داراً حقيرة متهدمة الجدران إلا جداراً يقف شاهداً على خسة أهل القرية وشحهم .


وفجأة يظهر الخضر أمامك يجلى لك الحقائق باعتباره يمثل القدر الأعلى وباعتباره انساناً مميزاً أيضا ليهتك لك أستار الغيب الذي أطلعه الله عليه وتتعجب من الفطرة النقية متمثلة فى موسى عليه السلام وهو يستنكف المنكر وينكره فكيف تتلف الأملاك ؟ وتقتل الأنفس البريئة ؟ ولأى شيئ يوضع المعروف فى غير أهله ؟ .


وأمر المؤمن كله له خير والصلاح ينفع أهله فى الدنيا والآخرة فتلف المال حماية له من أن يذهب به الظالم بالكلية ، وموت الولد رحمة به من قدر الكفر الذي ينتظره ورحمة بوالديه من الشقاء به فى الدارين وبقاء المال والولد كان ثمرة لصلاح الأب ومما خلفه الله به فى أهله وماله .


إذن لماذا كانت سورة الكهف عاصمة من فتنة الدجال عليه لعنة الله ؟!.


بأن سورة الكهف قد بدأت بذكر أهل الكتاب وهم جل أتباع المسيح الدجال – وهو من علامات الساعة - وربما كان في ذلك إشارة إلى تملكهم زمام العالم فى آخر الزمان وختمت بالحديث عن التوحيد وذم الكفر الذي هم عليهم .


واشتملت السورة أيضا على معنى مشترك بين كل القصص المذكورة فيها ، وهو معنى الخرق الرباني للعادة فى الزمان والمكان والإنسان ثم في القدر الكوني – كما قد تقدم – وبذلك صارت السورة الكريمة - وبهذه الضدية – كالرقية من الخرق الشيطاني الذي يمثله مسيح السوء الدجال فأعظم صوره ، فأنى يثبت وأنى يفلح حينئذ ؟! .


ومما يستأنس به أيضا في هذا المعنى أن زوال شخص المسيح الدجال نفسه يكون على يد مسيح الخير بن مريم – عليهما السلام – باعتباره خارقة بشرية ربانية كذلك منذ بدايته من غير أب ومعجزاته كالنفخ فى الطين بإذن الله وإبراء المعضلات والإنباء بالمغيبات وحتى رفعه من غير موت ثم عودته بعد ذلك.


وصدق ربنا عز وجل إذ يقول : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)[39]


4-قصة ذى القرنين الايات (من 83 - 97)


ومن الموضوعات والمحاور التي شملتها سورة الكهف قصة ذو القرنين وأسباب التمكين :


كما بدأت سورة الكهف بالاستضعاف والعزلة للفئة المؤمنة تنتهى بالقوة والتمكين وغلبة أمر


الدين ، فهذا حاكم مسلم قائد عظيم قال الله تعالى فيه : ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)[40]


وقد أوتى من الأسباب العجيبة ما لا يعلمه إلا الله من العلم والقوة التى بها يسخر الدنيا ويقهر الأعداء ويبلغ المشارق والمغارب ويفهم عجمة القلوب والألسنة ويذيب الحديد ويضرب السدود ، وباختصار فهو رجل غير عادى خارق القوى والملكات (كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرً)[41]


أى: " أحطنا بما عنده من الخير والأسباب العظيمة وعلمنا معه، حيثما توجه وسار " [42]


3 - الأمثال :


ومن المحاور الجوهرية التي لفتت الانظار إليها سورة الكهف محور الأمثال :


استخدمت السورة ضرب الأمثال لتبين فيها : أن الحق لا يرتبط بكثرة المال والجاه والسلطان ، ولا يعلوا الإنسان ، وإنما هو مرتبط بالعقيدة التى دعا إليها القرآن وعرضت أمثلة ثلاثة واقعية :


أ- مثل الغنى المكاثر بماله ، والفقير المغتر بعقيدته وإيمانه كما في قصة صاحب الجنتين سا بقة الذكر: قال تعالى : ( واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً ...) [43]


ب- مثل الحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال بعد تلك الزينة التى خدعت الكثيرين من الناس كما في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ( [44]


ج- مثل التكبر والغرور مصوراً فى حادثة إبليس اللعين وما أصابه من الطرد والحرمان جزاء تكبره واستعلائه على أوامر الله قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا )[45]


4- عرض بعض مشاهد يوم القيامة :


من المحاور المهمة في سورة الكهف عرض أهوال ومشاهد يوم القيامة كما تبينه الآيات التالية :


- فى قوله تعالى : ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ً)[46]


- فى قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [47]










المبحث الثالث:المناسبات في السورة وموضوعاتها


المناسبة : هي في اللغة المقاربة والمشاكلة ، يقال : فلان يناسب فلاناً ، أي يقاربه ويشاكله.


ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل بغيره ، كالأخ وابن العم.


- واصطلاحاً : هي علم تعرف منه علل ترتيب أجزاء القرآن.[48]


وقد عبر عنه الإمام عبدالحميد الفراهي [49] رحمه الله بـ(نظام القرآن) ، وبعضهم يبحثه تحت ما يسمى بـ (الوحدة الموضوعية).


أهميته :


علم المناسبات علم جليل القدر وقد نبه إلى أهميته عدد من العلماء من أبرزهم الفخر الرازي[50] حيث قال:«أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط»[51]. وقال السيوطي في معترك الأقران:«علم المناسبة علم شريف قل اعتناء المفسرين به لدقته».[52]


وقال البقاعي في نظم الدرر:«وهو سر البلاغة ؛ لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال ، وتتوقف الإجازة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها ، ويفيد ذلك في معرفة المقصود من جميع جملها ، فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة ، وكانت نسبته من علم التفسير كنسبة علم البيان من النحو».[53]


وقال العز بن عبدالسلام فيه :«المناسبة علم حسن ، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره».[54]


"علم المناسبات وثيق الصلة بالتفسير الموضوعي -وبخاصة التفسير الموضوعي للسورة- ونلحظ أن الآية أو مجموعة الآيات تنزل في أسباب مختلفة وحوادث متفرقة ثم توضع في سورة واحدة وقد تكون بين الآيات التي وضعت في موضع ما من السورة والآيات التي وضعت عقبها فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الأيام وقد تكون فترة طويلة تتجاوز عدة سنوات " [55]


- كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [56]


وما أجمل قول الشيخ محمد عبد الله دراز بهذا الصدد: " ... إن كانت بعد تنزيلها جمعت عن تفريق فلقد كانت في تنزيلها مفرقة عن جمع، كمثل بنيان كان قائمًا على قواعده فلما أريد نقله بصورته إلى غير مكانه قدرت أبعاده ورقمت لبناته، ثم فرق أنقاضًا فلم تلبث كل لبنة من أن عرفت مكانها المرقوم، وإذا البنيان قد عاد مرصوصًا بشد بعضه بعضًا كهيئته أول مرة".[57]


المناسبات بين اسم السورة وموضوعاتها ، وبين افتتاحية السورة وخاتمتها ، وبين مقاطع السورة وهدفها ، فوائد عظيمة لمعرفة الحكم والأسرار المكنوزة في ثنايا الآيات الكريمة .


وسنحاول أن نذكر وجوهًا من هذه المناسبات في كل نوع من الأنواع الثلاثة المتقدمة.


أولًا : المناسبة بين اسم السورة وموضوعاتها :


لكي نستنبط وجه المناسبة بين اسم السورة وموضوعاتها ، لا بد أن يكون اسم السورة توقيفيًا أي ثابتًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم : الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد تقدم في الروايات أن السورة تسمى " سورة الكهف " وتسمى "سورة أصحاب الكهف" وفي التسمية الأولى النظر إلى المكان الذي تم اللجوء إليه لحمايتهم من الفتنة التي تعرض لها الفتية فلجئوا إلى مكان حصين عصمهم من الأعين وحفظ عليهم دينهم وعقائدهم.


فلو نظرنا إلى هذا الاسم وإلى موضوعات السورة ، لوجدنا بين الاسم والموضوعات مناسبة لطيفة إن الموضوعات المعروضة في هذه السورة الكريمة من تدبرها ولجأ إليها كانت له كالكهف الحصين من الفتن جميعها ، كما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان الوضع الذي لجأ إليه الفتية كهفًا محسوسًا ملموسًا ، فإن الكهف الذي يأوي إليه قارئ هذه السورة كهف معنوي من عناية الله سبحانه وتعالى وحفظه وستره فلا تؤثر فيه الفتن المعروضة ولو كانت مثل قطع الليل المظلم .


أو تفسير الماوردي أو تفسير السيوطي ، يجد الأمثلة التي لا تحصى على تعدد الأقوال في الآية الواحدة.


وقد أشكل على بعض من لاحظ له في القرآن ، كيفية وفاء النصوص من الكتاب والسنة بحاجات البشر المتجددة ، وقالوا : إن النصوص محصورة ودولاب الحياة لا يتوقف والأحداث تتجدد ، والأفكار والمبادئ تطرح على الساحة في كل جيل مما لا عهد للأجيال السابقة بها ، وهناك نظريات اجتماعية وثقافية واقتصادية ومشكلات لم يكن لها وجود في عصر التنزيل ، فكيف يستنبط من النصوص أحكامها ، وتعرف الهدايات الربانية بشأنها ؟!


ولعل لثقافة المفسر الخاصة والعامة ، واهتماماته الشخصية ، وصفاء قريحته ، وشفافية نفسه ، وسلامة ذوقه اللغوي دخلًا في دقة الاستنباط والتعرف على ما تشير إليه الآيات تصريحًا أو تلميحًا.


فقد يتعرف في الروابط بين الآيات الكريمة على دقائق في المعرفة ، وقد يطلع عند تتبع بعض العبارات وعلى وشائج تكون مادة لإقامة صرح عتيد من سنن الله في المخلوقات ، وقد يتنسم من خلال الأجواء العبقة لهدايات أي الذكر الحكيم روائح نظام متكامل تقوم عليه علائق المجتمع الآمن المطمئن الرغيد .


بين يدي قصص سورة الكهف :


قبل البدء بعرض قصة أصحاب الكهف والتعليق عليها يحسن بنا أن نذكر بعض المزايا للقصص القرآني عامة ولقصص سورة الكهف خاصة .


1- القصص القرآني تربوي في المقام الأول، يعالج المشاكل والأفكار والمواقع علاجًا معينًا على ضوء المبادئ الإسلامية والأحكام الشرعية في قالب فني جمالي، لتعميق المفاهيم التي يراد غرسها في النفس الإنسانية. أو لاجتثاث جذور الأفكار السيئة التي يريد الإسلام تزكية النفس منها.


- فمثلًا عندما تعرض قضية الطاعة والامتثال والتضحية من خلال قصة إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام، تكون أوقع في النفس وأشد أثرًا.


- وكذلك آداب طلب العلم من خلال قصة موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف.


- وعندما تعالج قضية الشح والبخل في النفس من خلال قصة أصحاب.


الجنة في سورة "ن"، تكون أوعى للاعتبار والاتعاظ. وكذلك مرض الغرور والبطر من خلال قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف ولم يترك القرآن الكريم جانبًا من جوانب الحياة الإنسانية إلا وأورد فيه القصص التربوي على طريقته الخاصة ومن الزوايا الإنسانية العامة.


فساق نماذج بشرية تمثل الفطرة المهتدية، وأخرى تمثل الفطرة المنحرفة، وحتى الجانب الذي قد يخطر لنا أن القرآن لم يتعرض له وهو جانب "الحب والمرأة " فقد تناولها القرآن الكريم ، ولكن -كما قلنا - على طريقته التربوية الخاصة .


يعرض القرآن نماذج إنسانية منحرفة في سلوكها ومعتقداتها، إلا أن الأسلوب القرآني في ذلك يجعل هذه الانحرافات في حجمها الطبيعي ولا يجعل منها أبطالًا، ويعرض انحرافاتها بشكل خاطف بعد أن يقدم لها بما يحقر من شأن أصحابها، ثم يعقب عليها بإبراز الهدايات الربانية في ذلك مما يحجم الانحراف ويزيل أثره من ذهن القارئ مباشرة، وخير نموذج لمثل هذا قصة امرأة العزيز ومراودتها ليوسف عليه السلام، هذا هو الأسلوب القرآني في عرض هذه النماذج البشرية .


أما الأساليب الجاهلية المعاصرة فإنها تعرض سيرة هذه النماذج بتفصيل كامل وفي صور مشرقة زاهية وتجعل منها أبطالًا تسلط عليهم الأضواء حتى إذا حفرت في النفس أخاديد من آثارها وتعلقت النفوس بسيرتهم، جاءت التعقيبات الهزيلة، فلا تغير من الأثر شيئًا، ولا تزيل من المعالم والبصمات إلا أخفها.


هذا الجانب التربوي كما هو ملاحظ في القصص التاريخي ، فإنه ملاحظ أيضًا في القصص الواقعي الحاضر .


ونقصد به القصص التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، أو القصص التي تعرض أحداثًا تتعلق بالحالة التي كانت فيها الفئة المؤمنة .


والغرض التربوي منها تقديم المسيرة ، وتوضيح الرؤية أمام الجماعة المؤمنة خلال سير الحياة ونشر الدعوة إلى الله ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر التسلية والتخفيف عما يعتور الدعاة إلى الله ويحدث لهم أثناء المسيرة الجهادية في حياتهم : إن أحداث قصة بدر في سورة الأنفال، وأحد من آل عمران والخندق في الأحزاب ، والإفك في النور ، والحديبية في الفتح ، وحنين في التوبة ، معالم بارزة في حياة الدعاة إلى الله لأخذ العظات والعبر إلى يوم القيامة .


2- القصص القرآني يهمل عن قصد في حالات كثيرة ؛ الناحية الزمنية، والمكانية، وأحيانًا أسماء الأشخاص - أبطال القصة.


كما نجد ذلك في قصة أصحاب الكهف ، وقصة صاحب الجنتين ، وقصة ذي القرنين وذلك لأن الهدف الهام من سوق القصة أخذ العبرة والعظة وترسيخ الفكرة المعينة من خلال أحداث القصة ، فينبغي أن يركز الفكر وتثار المشاعر وتوجه العواطف حول الغرض منها .


وصرف الاهتمامات إلى أي عنصر آخر في القصة تبديد للطاقات العقلية والملكات النفسية وصرفها عن التفاعل مع الغرض الأساسي الذي سيقت القصة من أجله .


3- القصص القرآني كلها حقائق وقعت أحداثها ؛ ولئن عجز الجهد البشري عن إدراك تفصيلات هذه الوقائع، وتحديد زمانها ومكانها أو أشخاصها بوسائله القاصرة من كتابات وآثار ... فليس ذلك حجة لمن يزعم أنها قصص تمثيلي أو تخييلي .


فلو عجز علم الآثار عن تحديد موقع الكهف أو المناطق التي تغلب عليها ذو القرنين وأخضعها لحكم الله أو عجز عن التعرف على مكان إيقاد النار على إبراهيم عليه السلام، فلا يؤثر ذلك على الحقيقة شيئًا.


وقد جعل القرآن الكريم سرد هذه القصص دليلًا على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته كما في قوله تعالى : ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ )[58]


قصة الفتية المؤمنين :


تمثل هذه القصة جانبًا من الحياة البشرية ومشهدًا يتكرر عند وجود العقيدة الصحيحة في مجتمع ما، مهما كان وضع هذه العقيدة قوة أوضعفًا، ففي حال قوتها يكون السواد الأعظم من الناس يتحلون بها، ولا توجد مظاهر تلفت النظر .


أما في حال ضعف أصحاب العقيدة الصحيحة وقلتهم، فإن هذا النموذج يبرز، ولعل أبسط صورة لها ما ورد في قصة هؤلاء الفتية .


- إن المجتمع جاهلي وثني ، ولا يتعرف إلا على القوة والثورة والمتع والشهوات والحكم الجائز يفرض نفسه ، وقد ألقى بثقله على الناس ، فلا يستطيعون النظر إلا من خلاله، ولا التنفس إلا برئتيه، ولا الإطعام إلا من يديه.


تحف المظاهر الكاذبة بأبهة السلطة ، والمنافقون المتزلفون يرتعون في الملذات من خلال تزيين الباطل للحاكم المستبد .


فالناس الماديون أصحاب المصالح ينظرون من خلال الواقع ، والواقع يصور أمامهم كما يلي :


لا شبع من غير طعام ، ولا طعام من غير مال ، ولا مال إلا عند الدولة .


ولا شرف ولا سمعة ولا جاه إلا بالوظيفة ، ولا وظيفة إلا عند الدولة .


ولا هدوء ولا سلامة إلا بمسايرة الناس وموافقة المجتمع ، ولا موافقة إلا باتباع العقيدة السائدة والرأي العام المسيطر .


هذه منطلقات الفلسفة المستندة على الأسباب والمسببات ، وهي القيم التي يحتكمون إليها .


ولكن شعلة الإيمان إذا توقدت في النفوس ، وبدأت تنير القلب والفكر والجوارح ، وتقطع أواصر الثقل الأرضي وتسمو بالروح وتبلغ الشفافية بالمؤمن أن ينظر بنور الله إلى ما وراء الأسباب ، وأن يدرك أن هذه الأسباب قد وضعها خالق الكون ومدبره ، وأن مصير الأشياء بيديه وأنه يقول للشيء كن فيكون.


إن جذوة ايمان هذه لها منطلقات خاصة ولها حساباتها المتفردة وتطلعاتها المستقلة ، إنه يترفع عن متع الدنيا وشهواتها ، وينظر إليها بعين الازدراء والاحتقار ، وتسمو نفسه وروحه إلى الدار الباقية فهو لا يرضى الخنوع والاستسلام لجبروت السلطة مهما كان طغيانها ، ولا لضغوط المجتمع وفلسفته مهما بلغ ثقلها ، يقوم في وجه الظلم ليعلن كلمة التوحيد وأن لا إله إلا الله الذي خلق السماوات والأرض الذي بيده الأمر وإليه المرجع والمآب ، وأن لا حكم إلا لمدبر الكون وواضع سننه وأقواته وخواصه ولا طاعة لمن تنكب شرعه ودستوره في الحياة .


والمؤمن بقيامه هذا في وجه الطغيان يلتزم العقل والحكمة ، فيدعو الناس إلى التدبر والتفكر فيما حولهم من الكائنات ليتعرفوا على الخالق المعبود بحق ، ويدعو الخصوم إلى مقارعة الحجة بالحجة وإلى التحاكم إلى البرهان وإلى العقل والمنطق قال تعالى : ( هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) [59] .


لقد حقق هؤلاء من جانبهم مقومات تنزل النصر عليهم والاستجابة لدعائهم قال تعالى : ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم )[60]


والفتوة والقوة الجسدية مطلوبة في الصراع مع الباطل ومقارعة أهله.


والإيمان هو السلاح الماضي الذي يصول به الداعية ويجول، ويلقي به على الباطل فإذا هو زاهق.


إن سنة الله في نصر الدعوات تكمن في كون منطلقات حاملها، سليمة، وأن يكونوا فئة متميزة تسموا إلى أفق الدعوة وتضحي في سبيلها بغض النظر عن العدد والكثرة.


وهذا ما جرى للفتية المؤمنين فقد قابل رب السماوات والأرض صنعهم بفضل منه ورحمة عظيمتين ، فربط على قلوبهم فأخرج منها الخوف والحيرة والاضطراب ، وملأها شجاعة وسكينة وقوة ويقينًا وانشراحًا وسرورًا وزادهم إيمانًا على إيمانهم ورضى وتسليمًا بقضاء الله وقدره قال تعالى: ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً ، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )[61] .


وإذا توافرت هذه المقومات في الإنسان : الفتوة والإيمان ورباطه الجأش ومضاء العزيمة ، لا يستقر لهذا الإنسان قرار بل لا بد من مصارعة الباطل ، والوقوف في وجهه ، وهذا ما كان من أمر الفتية .


قال تعالى : ( إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )[62]


وفي خضم هذه المشاعر النبيلة والعواطف المتأججة بنور الإيمان ، يهتدون إلى رأي ، أن يخرجوا مجتمعين إلى الغار، ليعتزلوا المجتمع الجاهلي ماديًا بعد أن اعتزلوه شعوريًا ، وليفكروا بروية في الأسلوب الأنجح لمقارعة الباطل فإن لم يستطيعوا مقارعته وجهًا لوجه ، فبإمكانهم أن يضربوا في أرض الله الواسعة ويهاجروا في سبيل الله قال تعالى : ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً )[63]


إذ العزلة الشعورية واجبة دائمًا فلا يجوز مطلقًا موادة من حاد الله ورسوله مهما كانت درجة قرابته ومكانته. ولا يجوز مهادنة الجاهلية وأهلها سواء كانت الغلبة لهم أو لنا.


أما العزلة المادية الجسدية فإن لها شروطًا ولعل من أهمها كما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أن لا يجد المرء على الحق أعوانًا ، وأن يرى شحًا مطاعًا وهوى متبعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه "[64] ،


وأن لا تكون للمسلمين جماعة ، عندئذ جازت العزلة الجسدية والانصراف إلى خويصة النفس وترك أمر العامة .


روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن "[65].


وبينما كان الفتية في طريقهم إلى الكهف وهم منهمكون في ما هم عليه من حال وما سيكون عليه العمل والمآل ، كانت عناية الله وإرادته تهيئ لهم شيئًا أعظم من ذلك لتكفيهم مؤنة الجهد والمشقة ، فما أن وصلوا إلى الكهف حتى ضرب على آذانهم فيه سنين عددًا ، وهيأت لهم مكان إقامة تتوافر فيه الشروط الصحية الملائمة من شمس وتهوية وبعد عن القتم ، وتوقفت عقارب الزمن بالنسبة لهم داخل كهفهم ، إلا أنها بقيت دائرة خارجه ، واستمرت عجلة الحياة على مشيئة الله ، وكان انتصار الإيمان ودخول الناس في الإسلام ، وتغيرت الأحوال ، وحل الأمن والأمان مكان الظلم والطغيان ، فأذن الله عز وجل بانبعاثهم ، لكي يظهر آثار إكرامه للفتية ، وليقيم في نفس الوقت الحجة على من زعم أن البعث يوم القيامة بالأرواح لا بالأبدان ، فأخرج الله سبحانه وتعالى هؤلاء الفتية وبعثهم من رقادهم ، وأعثر عليهم ليكونوا أنموذجًا محسوسًا لقدرة الخالق على الإحياء بعد الموت ، فكما حفظ على هؤلاء أجسادهم من البلى وأعاد إليها الروح بعد اندثار الأجيال المتعاقبة ، فإنه قادر على أن يجمع شتات الأبدان ورميمها ، ويعيد إليها الروح يوم الحساب .


ومن أوجه المناسبة بين قصة أصحاب الكهف والهدف الرئيسي لسورة الكهف أنها خطت لنا طريق النجاة من الفتن وأوردت نموذجا عمليا ومثالا واقعيا يُحتذى به ، حيث تعرّض الفتية لفتنة عظيمة عصمهم الله منها ، حين سعى الملك إلى فتنتهم في دينهم واستغل سلطانه في مساومتهم على الحق وإغرائهم بكل المغريات كما استخدم فتنة التهديد والوعيد ، فعصمهم الله تعالى من كل تلك الفتن لمَّا خلُصَت نيتهم وصفت سريرتهم وقويت عزيمتهم وصدق توجههم إلى الله تعالى .[66]


عظـات وعبر :


.وقبل أن نودع قصة أصحاب الكهف نذكر جملة من العظات والعبر التي لم ترد مناسبة لذكرها في الفقرات السابقة وهي على النحو التالي :


1- " الفتيان الشباب أسرع استجابة لنداء الحق، وأشد عزمًا وتصميمًا وتضحية في سبيله.


2- صدق التوجه إلى الله سبحانه وتعالى واللجوء إلى كنفه وحسن الظن به من قبل الفتية، قوبل من الله سبحانه وتعالى بما يتناسب مع رحمته الواسعة الشاملة بعباده المخلصين " [67].


أ- أوجد الطمأنينة في القلوب وربط عليها بالسكينة فأوجد فيها السعة والهدوء والأمان قبل أن يوجد في المحيط الخارجي .


"ب - هيأ لهم من أسباب الحماية والدفاع ما تعجز قوى البشر عنه فسخر لهم الشمس، ورفع عن أجسادهم آثار تقلب الليل والنهار واختلاف الأجواء وحماها من الآفات والبلى كما حماها من عبث العابثين. واطلاع الفضوليين فألقى عليهم الرعب قال تعالى : ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا )[68] .


3- " إن العناية الإلهية رافقت أحوال الفتية والمشيئة الصمدية هيأت الأسباب لإبراز الحكمة العليا من العثور عليهم، فلو لم يحملوا معهم عند الخروج من المدينة شيئًا من العملة "الورق"[69] لما فكروا بالنزول لشراء الطعام ولما كان للاستدلال عليهم من سبيل ، لولا شعورهم بالجوع المفاجئ الشديد -وقد لبثوا هذه الفترة الطويلة ولم يكن للجوع أثر في أجسادهم- لما أسرعوا بإرسال الشخص لإحضار ما يسد جوعتهم ، إنها تدابير ربانية سابقة ولاحقة لتخليد ذكرى هذه الواقعة، وبرهان ساطع لمن فكر واعتبر.


4- التزام القيم الصحيحة تورث السيرة العطرة والذكر الحسن في الدنيا والمشوبة والخلود في جنات النعيم يوم القيامة .


أما أصحاب القيم الباطلة فإنهم يذهبون مع معتقداتهم الزائفة وتندثر ذكراهم في الدنيا ، وإن بقي منها شيء فتقبيح واستهجان وفي الآخرة عذاب شديد " .[70]











[1] - أحمد بن محمدالشرقاوي ، التفسير الموضوعي ص 3 ، ط: جامعة الشارقة مشروع التفسير الموضوعي .سنة 1428هـ ـ 2007م


[2] - سيد قطب ، في ظلال القرآن الكريم. ص (22) ، دار الشروق، القاهرة، ج4 ط 26 )،


[3] - إسماعيل بن محمد القرشي الدمشقي ، تفسير القران العظيم ، ج:2،ص :1146، ط : دار الكنوز أشبيليا للنشر والتوزيع.


[4] - سورة الكهف الاية (83)


[5] - محمد بن إسماعيل البخاري ، صحيح البخاري ، باب فضل سورة الفاتحة ،رقم الحديث (4720)


[6] -مسلم بن حجاج ،صحيح مسلم ، باب فضل قراءة قل هو الله أحد رقم الحديث (811)


[7] -محمدبن عيس ، سنن الترمذي ،باب ما جاء في المعوذتين ، رقم الحديث (2902)


[8]-أحمد بن على بن حجر، فتح الباري ،باب فضل سورة البقرة ،رقم الحديث(4723)


[9] -مسلم بن حجاج ، صحيح مسلم ، رقم الحديث (2119)


[10] -محمد شمس الحق العظيم ، عون المعبوب شرح سنن أبي داوود ،باب ماجاء في أية الكرسي رقم الحديث(1460) ط: دار الفكر سنة النشر 1415هـ / 1995م


[11] أبوبكر احمد بن الحسين بن على البيهقي ،السنن الكبرى ، باب مايؤمر به ليلة الجمعة ويومها رقم الحديث (5856) ط: دار المعرفة


[12] - رواه البخاري : صحيح البخاري ، كتاب : المناقب ، باب : علامات النبوة في الإسلام ،ج :7، ص 329. رقم الحديث (3614)


[13] - مسلم بن حجاج ، كتاب فضائل القران رقم الحديث (2126) ط: دار إحياء الكتب في العربية


[14] -سورة الكهف الاية (50)


[15] - رواه البخاري برقم (1377) , ومسلم (588) .


[16] سورة الكهف ) آية 28 – 29.)


[17] -سورة الكهف ) آية 45 و46)


[18] -سورة الكهف الاية (69)


[19] - التفسير الموضوعي ، ص (18)


[20] -سورة الكهف ) آية 103 و104)


[21] -سورة الكهف الاية (110)


[22] - سورة الكهف الاية) 1)


[23] - سورة الكهف آية( 109)


[24] - سورة الكهف آية (16)


[25] -سورة الكهف الاية(14)


[26] -سورة الكهف الاية (56)


[27] -سورة الكهف الاية (1)






[29] -سورة الكهف الاية (50)


[30] -سورة الكهف الاية (47-49)


[31] - سورة الكهف الاية (23-24)


[32] -سورة الكهف الاية (110)


[33] سورة الكهف الاية (21)


[34] - سورة الصافات الايات (171 -173)


[35]- سورة الكهف الاية (34)


[36]- سورة الكهف الاية (40)


[37] -سورة الكهف الاية (35)


[38] -سورة الكهف الآية (42)


[39] - سورة الأنبياء الاية (18)


[40] - سورة الكهف الآية (84)


[41] - سورة الكهف الاية (9)


[42] - عبدالرحمن السعدي ، تفيسر كريم الرحمن لكلام المنان ، ص (303) ط : مؤسسة الرسالة للطباعة والتوزيع سنة 1423ه -2002م


[43] - سورة الكهف الاية (32-44)


[44] -سورة الكهف( 4).


[45] - سورة الكهف الاية (50)


[46] - سورة الكهف الاية (99- 100)


[47] -سورة الكهف الايات (47-49) .


[48] - إبراهيم بن عمر البقاعي ، نظم الدرر في تناسب الايات والسور ، ج:1/6، ط : دار الكتاب الاسلامي .


[49] - الامام عبدالحميد الفراهي من الهند وهو إبن خالة علامة الشرق ومؤخ الاسلام الشيخ الشبلي النعماني المتوفى سنة (1332هـ)


[50] - هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن التيمي ، البكري ، الطبرستاني الرازي ، الملقب بـ (فخر الرازي ) ولد سنة 544هـ وتوفي سنة 606هـ كان فريد عصر ومتكلم زمانه ، نبغ في كثير من العلوم فكان إماما في التفسير .


[51] -محمد عمر بن حسين القرشي الطبرستاني أبو عبدالله الفخر الرازي ، مفاتيح الغيب (تفسير الرازي) ، ج1/140. ط: دار الكتب العلمية بيروت . سنة النشر 2004م 1425هـ.


[52] - الاتقان في علوم القران ص (1863)


[53] -- عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ، الاتقان في علوم القران ص(1836) المحقق : مركز الدراسات القرءانية ، ط : مجمع الملك فهد للطباعة . سنة النشر : 1426هـ


[54] - الاتقان في علوم القران ص (1838) وقد عزاه الى كتاب البرهان 1/132


[55] - مصطفي مسلم ، مباحث في التفسير الموضوعي ، ص (58) ط : دار القلم .


[56] - سورة النساء الايات من (51 إلى 58)


[57] - محمد عبد الله ، دراز النبأ العظيم :ص ( 154-155)، ط . دار القلم


[58] - سورة هود الاية (49)


[59] - سورة الكهف الاية (15)


[60] - سورة الكهف (13)


[61] -سورة النساء (100)


[62] - سورة الكهف الاية (13)


[63] - سورة النساء الاية (100)


[64] - رواه الترمذي في كتاب التفسير 4/ 323، وقال عنه: هذا حديث حسن غريب


[65] - انظر صحيح البخاري كتاب الإيمان 1/ 10.


[66] - التفسير الموضوعي لسورة الكهف ص(20)


[67] - مباحث في التفسير الموضوعي ص (217)


[68] - سورة الكهف الاية (18)


[69][69] مباحث في التفسير الموضوعي (219)


[70] - مباحث في التفسير الموضوعي ص (217)

الأحد، 9 مارس 2014

الوسائل العلمية على الصدق " التربية الدعوية "



الصدق شديدٌ على النفس؛ ولهذا قال ابن القيم: "فحمل الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيف كالريشة، لا يجد له صاحبه ثقلًا البتة، فهو حامل له في أي موضع اتفق، بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله".

وإليك بعض الوسائل التي تعين على الصدق:

1- مراقبة الله تعالى:

إن إيمان المرء بأن الله عز وجل معه يبصره ويسمعه؛ يدفعه للخشية والتحفظ، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، وعندما يستحضر أن كلماته وخطراته، وحركاته وسكناته كلها محصية مكتوبة: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار:10-11]، فإن ذلك يقوده إلى رياض الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال.



2- الحياء:

الحياء يحجب صاحبه عن كل ما هو مستقبح شرعاً وعرفاً وذوقاً، والمرء يستحيي أن يُعرف بين الناس أنه كذَّاب، وهذا هو الذي حمل أبا سفيان -وهو يومئذ مشرك- أن يصدق هرقل وهو يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عنه" (رواه البخاري [7])، أي: ينقلوا عليَّ الكذب لكذبت عليه. قال ابن حجر: "وفيه دليلٌ على أنهم كانوا يستقبحون الكذب، إما بالأخذ عن الشرع السابق، أو بالعرف.. وقد ترك الكذب استحياءً وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذاباً" ((فتح الباري) لابن حجر [1/35]، بتصرف يسير). قلت: فالمسلم أولى بالحياء من ربه أن يسمعه يقول كذباً، أو يطَّلع على عملٍ، أو حال هو فيه كاذب.



3- صُحبة الصادقين:

فقد أَمرَ الله عز وجل المؤمنين أن يكونوا مع أهل الصدق، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، أي: اقتدوا بهم واسلكوا سبيلهم، وهم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم، ووفوا بعهودهم وصدقوا في أقوالهم وأعمالهم.


4- إشاعة الصدق في الأسرة:

الإسلام يوصي أن تغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبّوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها.

فعن عبد الله بن عامر قال: "دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدً في بيتنا، فقالت: تعال أعطك، فقال لها صلى الله عليه وسلم: «ما أردت أن تعطيه؟» قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها: «أما لو لم تعطه شيئًا كتبت عليك كذبة» (رواه أبو داود [4991]، وأحمد [3/447] [15740]، وسكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في (تخريج المشكاة) [4/395]، والألباني في (صحيح أبي داود) [4991]).



5- الدعاء:

لمَا كان حمل النفس على الصدق في جميع أمورها شاقً عليها، ولا يمكن لعبد أن يأتي به على وجهه إلا بإعانة الله له وتوفيقه إليه، أمر الله نبيه أن يسأله الصدق في المخرج والمدخل، فقال عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء:80]، وقد ذكر المفسرون عدة أقوال في تأويلها.

6- معرفة وعيد الله للكذابين وعذابه للمفترين:

قد جاءت النصوص الكثيرة التي تحذر من الكذب، وتُبين سوء عاقبته في الدنيا والآخرة؛ ولهذا فإنَّ تذكير النفس بها، مما يعين المرء على الصدق في أحواله كلها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: (الرائد.. دروس في التربية والدعوة) لمازن بن عبد الكريم الفريح [3/251]) بتصرف يسير.