السبت، 19 أكتوبر 2013

#لقاء_الجمعة مع فضل شاكر و الشيخ أحمد الأسير

التربية الدعوية في القران الكريم


القرآن الكريم وجه أنظار المربين والدعاة وأولياء الأمور إلى ضرورة تربية أولادهم تربية دعوية منذ الصغر، وهذا واضح في آيات القرآن الكريم بصورة مباشرة وغير مباشرة، وذلك عن طريق:
1-     بيان أهمية الدعوة إلى الله، وأنها سبب خيرية هذه الأمة.
ففي آيات كثيرة يتحدث القرآن عن أهمية الدعوة إلى الله:
قال تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ .
وقال تعالى:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ .
وقال تعالى:
﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ .
وقال تعالى:
﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ .
فمن هذه الآيات نستدل على: أن الدعوة واجبة على كل مسلم، وهي سبب في خيرية الأمة، وأنه لا نجاة للمسلم إلا بالدعوة إلى الله عز وجل، وفي هذه رسالة إلى كل مربي أن يهتم بتنشأة ولده على الدعوة إلى الله، وتعويده عليها منذ الصغر، حتى تكون منهجاً لحياته، ودافعاً يدفعه لأداء ما فرضه الله عليه من دعوة الغير والرجوع بهذه الأمة إلى ما كانت عليه من الريادة والقيادة وأستاذية العالم. 
2- يذكر القرآن نماذج لدعاة صغار غيروا مجتمعهم إلى طريق الله عز وجل.

غلام الأخدود
هذا الطفل الذي ذكره الله – عز وجل – نموذجا يتلى إلى يوم القيامة في الصبر والتضحية في سبيل الله رغم صغر السن فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه.
قال تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.   
وقد حكى النبي عليه الصلاة والسلام قصة هذا الغلام لصحابته فعن صهيب بن سنان الرومي القرشي عن النبي أنه قال: ((كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيتَ الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل:حبسني الساحر، فبينما هو كذلك، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله، فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك، قال: ربي، قال: ولك رب غيري، قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك، قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك، قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال وما هو، قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغِهِ، فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأُتِيَ الملكُ فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حَذَرُكَ، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت، وأَضْرَمَ النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أُمَّهِ اصبري فإنك على الحق) .
3-     حث القرآن المربين على تربية النشأ تربية دعوية.
ونقصد بالتربية الدعوية أن يربى الطفل تربية شمولية صحيحة فلا نعتمد في تربيته على جانب دود جانب مما سنبين الآن، ومن أهم السور التي تحدثت عن هذا النوع من التربية "سورة لقمان" من خلال وصايا لقمان الحكيم لولده فقال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾  
يصف علماء التربية وعلم النفس التربوي أن العملية التربوية لا تستطيع أن تأتي بثمارها إلا إذا ركزنا على ثلاثة محاور أساسية وسموها الأهداف التربوية وهي :
1-الهدف المعرفي.
2-الهدف الوجداني.
3-الهدف المهاري (السلوكي).
فلكي تأتي هذه العملية ثمارها لابد من التركيز على هذه الأهداف الثلاثة مجتمعة، وأي نقص في أي مستوى من هذه الأهداف فإنه يؤدي إلى قصور في العملية التربوية.
فالطفل إذا ركزنا معه على مجرد المعرفة والتلقين، أو اقتصرنا معه على مجرد تنمية المشاعر والعواطف، أو على مجرد السلوك بدون إحساس حقيقي ودافع يدفعه إلى هذا السلوك، فإن العملية التربوية تكون ناقصة وغير هادفة.
ولو نظرنا إلى الوصايا التي ذكرها القرآن الكريم من خلال وصايا لقمان لابنه لوجدنا أن القرآن قد سبق علماء العصر الحديث في الوصول إلى أفضل طريقة لتربية الأبناء، فنرى أن القرآن من خلال هذه الوصايا ركّز على الجوانب الثلاثة:
•الجانب المعرفي وذلك من خلال:
-التركيز على قضية العقيدة والإيمان بالله.
-التفكر في خلق الله عز وجل.
-فضل وقيمة الوالدين.
-أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-ذم الكبر ومدح المتواضعين.
•الجانب الوجداني والشعوري وذلك من خلال:
-براعة التصوير الفني لآيات القرآن.
(ووصينا – وهناً على وهن – فلا تطعهما – لطيف خبير – صوت الحمير) 
-الرحمة بالوالدين حتى لو كانا كافرين.
-الحث على التحلي بخلق المراقبة.
-الرجوع والمصير إلى الله عز وجل.
-الثبات على الإيمان رغم كل الضغوط.
-النفير من التشبه بالحيوانات برفع الأصوات.
-التعبير بصيغ الحب والكره مما يوقظ الإنسان ويدفعه إلى العمل.
•الجانب المهاري (السلوكي)
وذلك من خلال:
-بر الوالدين.
-إقامة الصلاة.
-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-الصبر على الإيذاء.
-التواضع وخفض الجناح.
وهذه هي التربية الدعوية التي أراد الله عز وجل من خلال هذه الوصايا العظيمة أن يعلمها للمربين، فتعليم الطفل الدعوة إلى الله لن تكون إلا بتربيته تربية شمولية صحيحة، وبالتالي فإن الطفل الداعية يصنع إذا رُبّيَ على هذه التربية الشمولية، وبالتالي نحن نريد الطفل الداعية في تفكيره وفي مراقبته لله عز وجل، ونريد الطفل الداعية في مشاعره وأحاسيسه، ونريده مقيماً للصلاة آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وليس مجرد خطيباً يصعد المنبر فيبهر الناس بفصاحة لسانه، وصِغَر سنه، وهذا هو منهج القرآن كما أوضحنا من خلال هذه الوصايا.
نقلتها للفائدة من موقع:http://www.methak.org/ar/?articles=topic&topic=11679